في تجاعيد ذاكرة البنجوس، الجزء الثالث من لا وطن في الحنين، نقرأ:
”ساد بينهما صمت عميق، بدى خلاله حفيف أوراق الشجر، كخربشة قطة متوحشة، تسلخ لحاء الأشجار. وبدى فيه خرير الجدول، كنعيق مدوي لطائر البوم! استلقى البنجوس على بساط العشب الحائل اللون، واتكأت كيرا على ضلعه الأيسر.
تنهدت في عذوبة وهي تحلم به:
"آه يا شقيق دمي"
غردت طيور الدغل لحظتها، في صوت موحد، فهم بها:
"آه يا شقيقة دمي.."
كان (البنجوس) يدرك فداحة جرحه، وطيفها يخرج من جسده، ويتلاشى في فضاء المكان..
أنهد صوت البنجوس، وران الصمت على الغرفة الغارقة في الذكريات.. المشدوهة في الصمت والصدى والحنين.
انسحبت (راوية) من تجاعيد ذاكرته وتغضناتها المدهشة، تنضو تلافيفها.. تختلس أفكاره وتسترق أحاسيسه، ومشاعره الخبيئة الدافئة. رغم مرور السنوات الطوال، منذ آخر مرة رآها.
كانت الغيوم تتلبد، و(البرق العبادي) يشيل ويخت في الأفق، عندما رأى البنجوس نفسه، ممتطياً جواداً كميتاً. توغل في صهيل الكميت، وتوغله الصهيل، والكميت يشق بجسده الأملس، لجة البحيرَّة الوردية، ويغيب في أعماقها. يحاصره صوت عميق كالدوَّامة:
"ساو.. صولمنج.. صولمنج..“..
في الجزء الثاني من لا وطن في الحنين (الكنداكة.. ساورا مملكة الجبل).. نقرأ عن مملكة ساورا التي كان إنشاؤها بعد سقوط مملكة الجبل محملا بأحلام بددتها الصراعات على الحكم والفتن وآثار الجفاف والوباء والخراب الذي خلفه الغزاة. حيث يتعرف أبناء الحاضر في قراءتهم لتاريخ تلك المملكة على المأساة التي مازالت تتكرر حتى الآن، لمقاومة كل هذا الدمار والموت؟
مجلة الكلمة، العدد 160 أغسطس 2020
جاء فيها: ”وهو في النزع الأخير على حجر ابنته كيرا، تراءت له وقائع حياته مع سابا، صديقة الجنيات في ادق تفاصيلها.. تراءى له.. شبابهما وذكرياتهما معا! ولفظ أنفاسه، وهو يرى نفسه على احضانها، في تلك اللحظة البعيدة! عندما أمسك بكنفوسها الجلدي القديم في يده. وتفرّس فيه. فهاجه التوق والوجد، وتدفقت في عروقه حرّق، كتلك التي تندفع من جوف جبل الميدوب!
في ذلك الوقت كانت سابا؛ قد بدأت تألفه وتعتاد عليه. فعنّ له أن يقترِّب أكثر، من تلك الرؤيا التي تسكنه.. رؤيا العرش خلف طيفها الغامض!
دنا منها وهما ينهيان حماميهما، في ذلك الوادي. أراد أن يتوحد معها، خبّت الألفة في عيونها، وانبعث محلها شرّر. كشرّت عن اللبوة داخلها. نظر في أعماق عينيها بقوّة، فتنمرّت أكثر.
دنا منها. فمدّت يديها كحيوان كاسر، لتنتزع خاصِّرته، فتراجع بزاوية حادة، أطاحت بزراعيها في الهواء، أختل توازنها، فباغتها من الخلف، وأحتضنها مقيدا يديها الى ظهرها، وشابكا ساقيه في ساقيها!
أخذت تحرِّك رأسها وقدميها في عنفٍ، تشققّت له تربة الوادي الرملية الرطبة، وهي تزأر بوحشية جعلت الطيور، التي في أعلا التّل ترتاع وتهرب من وكناتها، لا تلوي على شيء!
ظل سورِّنق ممسكا بسابا، إلى أن خارت قوّاها، فكفت عن المقاومة، فتركها!
وقبل أن تتهاوّى كقلعة مهدّمة، سندها برِّفق وأتكأها على حافة الوادي، وأبتعد عنها قليلا ينظر إليها.. حدقت فيه بدهشة، وغابت بعيدا.. بعيدا“.
قراءة و تحميل كتاب تجاعيد ذاكرة البنجوس .. الجزء الثالث PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب المخطوطة السرية لجلابي ود عربي .. الجزء الأول PDF مجانا