❞ كتاب الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها ❝  ⏤ هبة رءوف عزت

❞ كتاب الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها ❝ ⏤ هبة رءوف عزت

“الإسلاميون العرب لا تثار تلك القضايا فى مخيلاتهم، ويسيرن إلى الأمام بحماس ببغاوى يُحسدون عليه، إذ أنهم لا تساورهم أى شكوك بخصوص المشروع المعرفى الاستنارى الذي أُستهلك تمامًا فى الغرب” الدكتور عبد الوهاب المسيري[1]

يخرج الكتاب وليد همٍ بحثيٍ قديم لدى الكاتبة يتعلق بحاجة “الساحة الإسلامية إلى مناقشة تصوراتها عن الدولة الإسلامية، أكثر من أى وقتٍ مضي، بعيدًا عن الخطابات التعبوية البلاغية من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة تجنُب “الاعتبارات العملية البراجماتية التى تؤدى إلى تراجُع المُهمة الرسالية والدعوية”، ومن ثم محاولة النظر فى “استعادة شرعية التفكير، ورد الاعتبار إلى مفهوم الحِكمة قبل التجادُل حول منظومة الحُكم” (ص 11).

يبدو الكتاب محاولة لاستعادة حوارٍ غائب أولًا قبل البدأ فى الدخول فى مساحات الجدل الإنسانى حول طبيعة الأشياء، فالكتاب من أوله لآخره محاولة لاستعادة مفاهيم غائبة عن التصور، ورد الاعتبار إلى أسئلة غابت عن الخيال السياسي للإسلاميين منذ أن أطبقت الدولة الحديثة بتصوراتها عليه. فى تلك المساحة التى نادرًا ما تناولتها أى كتابات تعتبر الاسلاميين موضوعًا لها تدخل الكاتبة بنَفَسٍ محمود.

يهدف الكتاب إلى محاولة الاشتباك مع تلك المساحة المتروكة فى النظرية السياسية التى تتعلق بإنتاج خيال سياسي يُخرج الفكر الإسلامي من البنى المُغلقة التى وقع أسيرًا لها طوال قرنين من التفكير بشأن السياسة والحُكم وميزان القوة، وإلى الخروج إلى ما تحاول الكاتبة دائمًا الدعوة إليه وهو “إعادة الدولة — كمفهوم — إلى حجمها المتوازن على خريطة الاجتماع الإنساني وإدارة القوة فى حياة البشر، بعد طغيانِ قرون” (ص 15) ذهابًا إلى الهدف الأسمى الذي تسعى له؛ محاولة فهم “طبيعة العُمران” و”صيغ التمدن”، وهو بالأحري موضوع الكتاب الثانى لها المُعنّون باسم “نحو عُمرانٍ جديد” الصادر عن نفس دار النشر، والذي أسمته هُنا بـ”العُمرانى المسكوت عنه (ص 75)”.

أحاول من خلال عرض الكتاب أن أشتبك مفاهيميًا مع النصوص التي كُتبت على فترات زمنية متباعدة، تم تحريرها لتخرج تحت تحت عنوان :”الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وبعدها”، وإن كان يعيب هذا العرض كثرة الاقتباسات النصية إلا أنى ارتأيتُ وجوب ذلك نظرًا لسيل المفاهيم (شديدة الحساسية) التى يتمتع به الكتاب والتى أوجبت تعاملًا خاصًا، خاصةً فى ظل إشكال كبير يُحيط بالأبحاث نظرًا للبُعد الزمنى بينها، وإن كان هذا التباعد أثمر شجرة كثيفة من المفاهيم المتنوعة والغنية بالأسئلة. ولهذا فقد حظي سؤال المنهج دون غيره بأكبر اهتمام طوال العرض بما طغى أحيانًا على سرد تفاصيل الكتاب.

فى المقدمة، كان الهم الأساس الذي انطلقت منه الكاتبة مُتعلقًا بالخطاب الإسلامى، فى محاولة منها للخروج مما تُسميه “الثنائية المُفخخة” التى تضع العلمانية فى مقابل الحاكمية/الشريعة التى اعتبرتها الكاتبة “حائلًا دون خيال الإسلاميين وخطابهم السياسي … مما جعل أطروحاتهم فى حالة ركود عبر قرن كامل” (ص 17). إنها محاولة للخروج من المثالية التى تُضّفى علي نموذج الديمقراطية الليبرالية بوضعها كنموذج أساسي غير قابل للنقاش دائمًا أمام أي فكرة قد يطرحها الإسلاميون باعتبارها نماذج أدنى، ولكنها ليست محاولة إلى الإنضمام إلى نبرة نقد الإسلاميين التى تصفها بأنه أصبح لها مواسم بين الحين والآخر (ص 23).

عودة اللغة، حضور المقدس/نفي القداسة:

بسبب نُدرة الدراسات النظرية التى تتناول الخيال السياسي التى تُعانى منه المكتبة العربية، فإن الكاتبة أفردت فصلًا أول بعنوان “من ظاهر الجدل السياسي إلى البحث فى آفاق المعنى” تُبين من خلاله أولوية مفهوم الخيال فى دراستها، مُفضّلةً إياه عن مفهومى “العقل” و”الفكر” لمحاولة البحث عن مستوى أعلى من الدينامية يتحرك خلاله “العقل” مُعبرًا عن “انفتاح الفضاء الذي يتحرك فيه (ص35)، أى محاولة توسيع نطاق البدائل والخيارات، حتى يُمكن فى النهاية “دراسة الإمكانية العقلية للتوافق بين رؤي متنوعة للعقل والتاريخ والنص والحرية والعدل والخاص/العام، وتصورات التنوع الدينى والفكري وفهم الطبيعة الإنسانية والإرادة، وسُبل تحقيق القيم الجماعية، وفلسفة الحق والحقوق”.

وتسعى الكاتبة إلى التفرقة الأولية بين الخطاب السياسي الواقعي/اليومي (مساحة المنقول الظاهر)، وبين الخطاب الفلسفي والبنية المعرفية المُحددة لحركة الإسلاميين (مساحة المعقول) لمحاولة الاشتباك وتحليل الرؤية الحاكمة لفكرهم، ناقدة بذلك أفكار إرنست جيلنر، ومحمد عابد الجابري عن إمكانية دراسة الأفكار دون الحاجة إلي قياسها على مرجعياتها، ومن نقطة المرجعية تلك ستكون للكاتبة صولة أخري حين تشتبك لتجد الحل عند غادامير التى ارتأت أن تحاول باستخدام منهجه فى “التحليل المفاهيمي والمعرفي فى قراءة النصوص السياسية” إزالة حجاب الألفاظ.

فى هذا الصدد تُعيد الكاتبة التأكيد على ملحوظات جديرة بالجدل حولها: سؤال الديمقراطية والشوري، نفي خصوصية الإسلاميين الفكرية، افتراض “حضور المقدس” فى المنظومة الديمقراطية، نفي القداسة عن تصورات الإسلاميين وبيان إحتوائها عن ما هو “زمني/ظرفي”، وتفاعل الإسلاميين مع غيرهم والوعي بسقف خياراتهم من حيث كونها “دعمًا أو إجهاضًا للخيال التجديدي”، وهنا لا تتسائل الكاتبة فقط عن “الأفق المُمكن” فحسب بل “الآفاق المُصادرة ومساحات المسكوت عنه فى وصف الخيال” (ص35).

فى تلك المساحة ما بين الخطاب وما هو خارجه، تتحرك الكاتبة لتجد ضالتها في المنهج التفسيري الذى “يتجاوز” اعتبار اللغة مفعولًا به يتم توظيفة سياسيًا إلى “التساؤل عن الأبعاد الأنطولوجية وعلاقة اللغة بالظاهرة المادية من ناحية والوعي المتجاوز/المتعالى من ناحية أخرى، بما يُتيح فهم أفضل ربما لخطاب الإسلاميين بحساب بشريته من الناحية الأولى، ومن ناحية أخرى اعتبار مهم لطبيعة أفكارهم التى تحمل بُعدًا ميتافيزيقيًا حاضرًا بقوة. يكمن إسهام “هبة رؤوف” فى محاولتها تجاوز الرصد المحض إلى فهم الخيال وكيفية تشكله، والبحث فى إمكانات الاستمرار والانقطاع داخله، كما إمكانات تواصله مع أنساق مناقضة أو جذور قديمة.
هبة رءوف عزت - ❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ في ظلال رمضان ❝ ❞ نحو عمران جديد ❝ ❞ الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها ❝ الناشرين : ❞ الشبكة العربية للأبحاث والنشر ❝ ❞ جسور للترجمة والنشر ❝ ❱
من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.


اقتباسات من كتاب الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها

نبذة عن الكتاب:
الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها

2015م - 1445هـ
“الإسلاميون العرب لا تثار تلك القضايا فى مخيلاتهم، ويسيرن إلى الأمام بحماس ببغاوى يُحسدون عليه، إذ أنهم لا تساورهم أى شكوك بخصوص المشروع المعرفى الاستنارى الذي أُستهلك تمامًا فى الغرب” الدكتور عبد الوهاب المسيري[1]

يخرج الكتاب وليد همٍ بحثيٍ قديم لدى الكاتبة يتعلق بحاجة “الساحة الإسلامية إلى مناقشة تصوراتها عن الدولة الإسلامية، أكثر من أى وقتٍ مضي، بعيدًا عن الخطابات التعبوية البلاغية من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة تجنُب “الاعتبارات العملية البراجماتية التى تؤدى إلى تراجُع المُهمة الرسالية والدعوية”، ومن ثم محاولة النظر فى “استعادة شرعية التفكير، ورد الاعتبار إلى مفهوم الحِكمة قبل التجادُل حول منظومة الحُكم” (ص 11).

يبدو الكتاب محاولة لاستعادة حوارٍ غائب أولًا قبل البدأ فى الدخول فى مساحات الجدل الإنسانى حول طبيعة الأشياء، فالكتاب من أوله لآخره محاولة لاستعادة مفاهيم غائبة عن التصور، ورد الاعتبار إلى أسئلة غابت عن الخيال السياسي للإسلاميين منذ أن أطبقت الدولة الحديثة بتصوراتها عليه. فى تلك المساحة التى نادرًا ما تناولتها أى كتابات تعتبر الاسلاميين موضوعًا لها تدخل الكاتبة بنَفَسٍ محمود.

يهدف الكتاب إلى محاولة الاشتباك مع تلك المساحة المتروكة فى النظرية السياسية التى تتعلق بإنتاج خيال سياسي يُخرج الفكر الإسلامي من البنى المُغلقة التى وقع أسيرًا لها طوال قرنين من التفكير بشأن السياسة والحُكم وميزان القوة، وإلى الخروج إلى ما تحاول الكاتبة دائمًا الدعوة إليه وهو “إعادة الدولة — كمفهوم — إلى حجمها المتوازن على خريطة الاجتماع الإنساني وإدارة القوة فى حياة البشر، بعد طغيانِ قرون” (ص 15) ذهابًا إلى الهدف الأسمى الذي تسعى له؛ محاولة فهم “طبيعة العُمران” و”صيغ التمدن”، وهو بالأحري موضوع الكتاب الثانى لها المُعنّون باسم “نحو عُمرانٍ جديد” الصادر عن نفس دار النشر، والذي أسمته هُنا بـ”العُمرانى المسكوت عنه (ص 75)”.

أحاول من خلال عرض الكتاب أن أشتبك مفاهيميًا مع النصوص التي كُتبت على فترات زمنية متباعدة، تم تحريرها لتخرج تحت تحت عنوان :”الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وبعدها”، وإن كان يعيب هذا العرض كثرة الاقتباسات النصية إلا أنى ارتأيتُ وجوب ذلك نظرًا لسيل المفاهيم (شديدة الحساسية) التى يتمتع به الكتاب والتى أوجبت تعاملًا خاصًا، خاصةً فى ظل إشكال كبير يُحيط بالأبحاث نظرًا للبُعد الزمنى بينها، وإن كان هذا التباعد أثمر شجرة كثيفة من المفاهيم المتنوعة والغنية بالأسئلة. ولهذا فقد حظي سؤال المنهج دون غيره بأكبر اهتمام طوال العرض بما طغى أحيانًا على سرد تفاصيل الكتاب.

فى المقدمة، كان الهم الأساس الذي انطلقت منه الكاتبة مُتعلقًا بالخطاب الإسلامى، فى محاولة منها للخروج مما تُسميه “الثنائية المُفخخة” التى تضع العلمانية فى مقابل الحاكمية/الشريعة التى اعتبرتها الكاتبة “حائلًا دون خيال الإسلاميين وخطابهم السياسي … مما جعل أطروحاتهم فى حالة ركود عبر قرن كامل” (ص 17). إنها محاولة للخروج من المثالية التى تُضّفى علي نموذج الديمقراطية الليبرالية بوضعها كنموذج أساسي غير قابل للنقاش دائمًا أمام أي فكرة قد يطرحها الإسلاميون باعتبارها نماذج أدنى، ولكنها ليست محاولة إلى الإنضمام إلى نبرة نقد الإسلاميين التى تصفها بأنه أصبح لها مواسم بين الحين والآخر (ص 23).

عودة اللغة، حضور المقدس/نفي القداسة:

بسبب نُدرة الدراسات النظرية التى تتناول الخيال السياسي التى تُعانى منه المكتبة العربية، فإن الكاتبة أفردت فصلًا أول بعنوان “من ظاهر الجدل السياسي إلى البحث فى آفاق المعنى” تُبين من خلاله أولوية مفهوم الخيال فى دراستها، مُفضّلةً إياه عن مفهومى “العقل” و”الفكر” لمحاولة البحث عن مستوى أعلى من الدينامية يتحرك خلاله “العقل” مُعبرًا عن “انفتاح الفضاء الذي يتحرك فيه (ص35)، أى محاولة توسيع نطاق البدائل والخيارات، حتى يُمكن فى النهاية “دراسة الإمكانية العقلية للتوافق بين رؤي متنوعة للعقل والتاريخ والنص والحرية والعدل والخاص/العام، وتصورات التنوع الدينى والفكري وفهم الطبيعة الإنسانية والإرادة، وسُبل تحقيق القيم الجماعية، وفلسفة الحق والحقوق”.

وتسعى الكاتبة إلى التفرقة الأولية بين الخطاب السياسي الواقعي/اليومي (مساحة المنقول الظاهر)، وبين الخطاب الفلسفي والبنية المعرفية المُحددة لحركة الإسلاميين (مساحة المعقول) لمحاولة الاشتباك وتحليل الرؤية الحاكمة لفكرهم، ناقدة بذلك أفكار إرنست جيلنر، ومحمد عابد الجابري عن إمكانية دراسة الأفكار دون الحاجة إلي قياسها على مرجعياتها، ومن نقطة المرجعية تلك ستكون للكاتبة صولة أخري حين تشتبك لتجد الحل عند غادامير التى ارتأت أن تحاول باستخدام منهجه فى “التحليل المفاهيمي والمعرفي فى قراءة النصوص السياسية” إزالة حجاب الألفاظ.

فى هذا الصدد تُعيد الكاتبة التأكيد على ملحوظات جديرة بالجدل حولها: سؤال الديمقراطية والشوري، نفي خصوصية الإسلاميين الفكرية، افتراض “حضور المقدس” فى المنظومة الديمقراطية، نفي القداسة عن تصورات الإسلاميين وبيان إحتوائها عن ما هو “زمني/ظرفي”، وتفاعل الإسلاميين مع غيرهم والوعي بسقف خياراتهم من حيث كونها “دعمًا أو إجهاضًا للخيال التجديدي”، وهنا لا تتسائل الكاتبة فقط عن “الأفق المُمكن” فحسب بل “الآفاق المُصادرة ومساحات المسكوت عنه فى وصف الخيال” (ص35).

فى تلك المساحة ما بين الخطاب وما هو خارجه، تتحرك الكاتبة لتجد ضالتها في المنهج التفسيري الذى “يتجاوز” اعتبار اللغة مفعولًا به يتم توظيفة سياسيًا إلى “التساؤل عن الأبعاد الأنطولوجية وعلاقة اللغة بالظاهرة المادية من ناحية والوعي المتجاوز/المتعالى من ناحية أخرى، بما يُتيح فهم أفضل ربما لخطاب الإسلاميين بحساب بشريته من الناحية الأولى، ومن ناحية أخرى اعتبار مهم لطبيعة أفكارهم التى تحمل بُعدًا ميتافيزيقيًا حاضرًا بقوة. يكمن إسهام “هبة رؤوف” فى محاولتها تجاوز الرصد المحض إلى فهم الخيال وكيفية تشكله، والبحث فى إمكانات الاستمرار والانقطاع داخله، كما إمكانات تواصله مع أنساق مناقضة أو جذور قديمة. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

“الإسلاميون العرب لا تثار تلك القضايا فى مخيلاتهم، ويسيرن إلى الأمام بحماس ببغاوى يُحسدون عليه، إذ أنهم لا تساورهم أى شكوك بخصوص المشروع المعرفى الاستنارى الذي أُستهلك تمامًا فى الغرب” الدكتور عبد الوهاب المسيري[1]

يخرج الكتاب وليد همٍ بحثيٍ قديم لدى الكاتبة يتعلق بحاجة “الساحة الإسلامية إلى مناقشة تصوراتها عن الدولة الإسلامية، أكثر من أى وقتٍ مضي، بعيدًا عن الخطابات التعبوية البلاغية من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة تجنُب “الاعتبارات العملية البراجماتية التى تؤدى إلى تراجُع المُهمة الرسالية والدعوية”، ومن ثم محاولة النظر فى “استعادة شرعية التفكير، ورد الاعتبار إلى مفهوم الحِكمة قبل التجادُل حول منظومة الحُكم” (ص 11).

يبدو الكتاب محاولة لاستعادة حوارٍ غائب أولًا قبل البدأ فى الدخول فى مساحات الجدل الإنسانى حول طبيعة الأشياء، فالكتاب من أوله لآخره محاولة لاستعادة مفاهيم غائبة عن التصور، ورد الاعتبار إلى أسئلة غابت عن الخيال السياسي للإسلاميين منذ أن أطبقت الدولة الحديثة بتصوراتها عليه. فى تلك المساحة التى نادرًا ما تناولتها أى كتابات تعتبر الاسلاميين موضوعًا لها تدخل الكاتبة بنَفَسٍ محمود.

يهدف الكتاب إلى محاولة الاشتباك مع تلك المساحة المتروكة فى النظرية السياسية التى تتعلق بإنتاج خيال سياسي يُخرج الفكر الإسلامي من البنى المُغلقة التى وقع أسيرًا لها طوال قرنين من التفكير بشأن السياسة والحُكم وميزان القوة، وإلى الخروج إلى ما تحاول الكاتبة دائمًا الدعوة إليه وهو “إعادة الدولة — كمفهوم — إلى حجمها المتوازن على خريطة الاجتماع الإنساني وإدارة القوة فى حياة البشر، بعد طغيانِ قرون” (ص 15) ذهابًا إلى الهدف الأسمى الذي تسعى له؛ محاولة فهم “طبيعة العُمران” و”صيغ التمدن”، وهو بالأحري موضوع الكتاب الثانى لها المُعنّون باسم “نحو عُمرانٍ جديد” الصادر عن نفس دار النشر، والذي أسمته هُنا بـ”العُمرانى المسكوت عنه (ص 75)”.

أحاول من خلال عرض الكتاب أن أشتبك مفاهيميًا مع النصوص التي كُتبت على فترات زمنية متباعدة، تم تحريرها لتخرج تحت تحت عنوان :”الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وبعدها”، وإن كان يعيب هذا العرض كثرة الاقتباسات النصية إلا أنى ارتأيتُ وجوب ذلك نظرًا لسيل المفاهيم (شديدة الحساسية) التى يتمتع به الكتاب والتى أوجبت تعاملًا خاصًا، خاصةً فى ظل إشكال كبير يُحيط بالأبحاث نظرًا للبُعد الزمنى بينها، وإن كان هذا التباعد أثمر شجرة كثيفة من المفاهيم المتنوعة والغنية بالأسئلة. ولهذا فقد حظي سؤال المنهج دون غيره بأكبر اهتمام طوال العرض بما طغى أحيانًا على سرد تفاصيل الكتاب.

فى المقدمة، كان الهم الأساس الذي انطلقت منه الكاتبة مُتعلقًا بالخطاب الإسلامى، فى محاولة منها للخروج مما تُسميه “الثنائية المُفخخة” التى تضع العلمانية فى مقابل الحاكمية/الشريعة التى اعتبرتها الكاتبة “حائلًا دون خيال الإسلاميين وخطابهم السياسي … مما جعل أطروحاتهم فى حالة ركود عبر قرن كامل” (ص 17). إنها محاولة للخروج من المثالية التى تُضّفى علي نموذج الديمقراطية الليبرالية بوضعها كنموذج أساسي غير قابل للنقاش دائمًا أمام أي فكرة قد يطرحها الإسلاميون باعتبارها نماذج أدنى، ولكنها ليست محاولة إلى الإنضمام إلى نبرة نقد الإسلاميين التى تصفها بأنه أصبح لها مواسم بين الحين والآخر (ص 23).

عودة اللغة، حضور المقدس/نفي القداسة:

بسبب نُدرة الدراسات النظرية التى تتناول الخيال السياسي التى تُعانى منه المكتبة العربية، فإن الكاتبة أفردت فصلًا أول بعنوان “من ظاهر الجدل السياسي إلى البحث فى آفاق المعنى” تُبين من خلاله أولوية مفهوم الخيال فى دراستها، مُفضّلةً إياه عن مفهومى “العقل” و”الفكر” لمحاولة البحث عن مستوى أعلى من الدينامية يتحرك خلاله “العقل” مُعبرًا عن “انفتاح الفضاء الذي يتحرك فيه (ص35)، أى محاولة توسيع نطاق البدائل والخيارات، حتى يُمكن فى النهاية “دراسة الإمكانية العقلية للتوافق بين رؤي متنوعة للعقل والتاريخ والنص والحرية والعدل والخاص/العام، وتصورات التنوع الدينى والفكري وفهم الطبيعة الإنسانية والإرادة، وسُبل تحقيق القيم الجماعية، وفلسفة الحق والحقوق”.

وتسعى الكاتبة إلى التفرقة الأولية بين الخطاب السياسي الواقعي/اليومي (مساحة المنقول الظاهر)، وبين الخطاب الفلسفي والبنية المعرفية المُحددة لحركة الإسلاميين (مساحة المعقول) لمحاولة الاشتباك وتحليل الرؤية الحاكمة لفكرهم، ناقدة بذلك أفكار إرنست جيلنر، ومحمد عابد الجابري عن إمكانية دراسة الأفكار دون الحاجة إلي قياسها على مرجعياتها، ومن نقطة المرجعية تلك ستكون للكاتبة صولة أخري حين تشتبك لتجد الحل عند غادامير التى ارتأت أن تحاول باستخدام منهجه فى “التحليل المفاهيمي والمعرفي فى قراءة النصوص السياسية” إزالة حجاب الألفاظ.

فى هذا الصدد تُعيد الكاتبة التأكيد على ملحوظات جديرة بالجدل حولها: سؤال الديمقراطية والشوري، نفي خصوصية الإسلاميين الفكرية، افتراض “حضور المقدس” فى المنظومة الديمقراطية، نفي القداسة عن تصورات الإسلاميين وبيان إحتوائها عن ما هو “زمني/ظرفي”، وتفاعل الإسلاميين مع غيرهم والوعي بسقف خياراتهم من حيث كونها “دعمًا أو إجهاضًا للخيال التجديدي”، وهنا لا تتسائل الكاتبة فقط عن “الأفق المُمكن” فحسب بل “الآفاق المُصادرة ومساحات المسكوت عنه فى وصف الخيال” (ص35).

فى تلك المساحة ما بين الخطاب وما هو خارجه، تتحرك الكاتبة لتجد ضالتها في المنهج التفسيري الذى “يتجاوز” اعتبار اللغة مفعولًا به يتم توظيفة سياسيًا إلى “التساؤل عن الأبعاد الأنطولوجية وعلاقة اللغة بالظاهرة المادية من ناحية والوعي المتجاوز/المتعالى من ناحية أخرى، بما يُتيح فهم أفضل ربما لخطاب الإسلاميين بحساب بشريته من الناحية الأولى، ومن ناحية أخرى اعتبار مهم لطبيعة أفكارهم التى تحمل بُعدًا ميتافيزيقيًا حاضرًا بقوة. يكمن إسهام “هبة رؤوف” فى محاولتها تجاوز الرصد المحض إلى فهم الخيال وكيفية تشكله، والبحث فى إمكانات الاستمرار والانقطاع داخله، كما إمكانات تواصله مع أنساق مناقضة أو جذور قديمة.



سنة النشر : 2015م / 1436هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 3.6 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
هبة رءوف عزت - Heba Raouf Ezzat

كتب هبة رءوف عزت ❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ في ظلال رمضان ❝ ❞ نحو عمران جديد ❝ ❞ الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها ❝ الناشرين : ❞ الشبكة العربية للأبحاث والنشر ❝ ❞ جسور للترجمة والنشر ❝ ❱. المزيد..

كتب هبة رءوف عزت
الناشر:
الشبكة العربية للأبحاث والنشر
كتب الشبكة العربية للأبحاث والنشرالشبكة العربية للأبحاث والنشر مشروع ثقافي تأسس في بيروت بدايات عام ٢٠٠٨، على يد عبد العزيز القاسم ونواف القديمي - كلاهما من السعودية - وهي تهدف إلى نشر الكتب والأطروحات في حقول الفلسفة والفكر والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا وإعادة قراءة التراث والإصلاح الديني والسياسي، وتعزيز قيم الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني بما يتواءم مع هوية المجتمعات العربية وثقافتها، والإسهام في تنمية الوعي بأزمة العالم العربي المتمثلة في الاستبداد السياسي والفقر وانخفاض مستويات التعليم وتدني التنمية وضعف الإنتاج العلمي والمعرفي، إضافة إلى الخروج النقدي من ثنائية الصراع بين التبعية السياسية والثقافية للغرب من جهة، ورفض التعاطي النقدي وتجاوز الإرث الثقافي والسياسي العربي المعوِّق لتقدم المجتمعات العربية وتنميتها وتحررها من جهة أخرى. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ خمسون عالما إجتماعيا أساسيا المنظرون المعاصرون ❝ ❞ علم الإجتماع المفاهيم الأساسية ❝ ❞ المثالية الألمانية المجلد الأول ❝ ❞ في ضيافة كتائب القذافي (قصة اختطاف فريق الجزيرة في ليبيا ) نسخة مصورة ❝ ❞ التراث وإشكالياته الكبرى نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية Pdf ❝ ❞ أيام العرب الأواخر ❝ ❞ السلفية العالمية : الحركات السلفية المعاصرة في عالم متغير ❝ ❞ خيرة العقول المسلمة في القرن العشرين ❝ ❞ التفكير النقدي مدخل في طبيعة المحاجة وأنواعها ❝ ❞ بين الجزيرة والثورة ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ محمد عابد الجابرى ❝ ❞ عبد الوهاب المسيري ❝ ❞ د. محمد الشيخ ❝ ❞ محمد الأمين الشنقيطي ❝ ❞ جاسم سلطان ❝ ❞ طه عبد الرحمن ❝ ❞ هبة رءوف عزت ❝ ❞ فهد الحمودي ❝ ❞ زيجمونت باومان ❝ ❞ برنارد لويس ❝ ❞ طارق البشري ❝ ❞ سعد العبد الله الصويان ❝ ❞ جون سكوت ❝ ❞ أحمد فال بن الدين ❝ ❞ القاسم بن الحسين الخوارزمي صدر الأفاضل ❝ ❞ بابرا غيديس، جوزيف رايت، إيريكا فرانتز ❝ ❞ دجاسر عودة ❝ ❞ محمود محمد أحمد ❝ ❞ عبد الإله بلقزيز ❝ ❞ سعود المولى ❝ ❞ عبد السلام بنعبد العالى ❝ ❞ نادية مصطفى ❝ ❞ ناصر الحزيمي ❝ ❞ د. معتز الخطيب ❝ ❞ عمرو صالح يس ❝ ❞ لؤي صافي ❝ ❞ رول ميير ❝ ❞ حمو النقاري ❝ ❞ مدحت ماهر الليثي ❝ ❞ محمد أبو رمان ❝ ❞ عبد الله البريدي ❝ ❞ عبد الرحمن الحاج ❝ ❞ هنس زندكولر ❝ ❞ علي الظفيري ❝ ❞ ديبورا آموس ❝ ❞ نادر هاشمي ❝ ❞ ستيفان لاكروا ❝ ❞ أديس جودري ❝ ❞ ناثان ج براون و عمرو حمزاوي ❝ ❞ منصور زويد المطيري ❝ ❞ مارشال هودجسون ❝ ❞ محمد حلمي عبد الوهاب ❝ ❞ مجيد محمدي ❝ ❞ مصطفى الحسن ❝ ❞ محمد سبيلا ❝ ❞ أسعد طه ❝ ❞ محمد الرحموني ❝ ❱.المزيد.. كتب الشبكة العربية للأبحاث والنشر