❞ كتاب السلطان عبد الحميد الثانى وفكرة الجامعة الإسلامية ❝  ⏤ علي محمد الصلابي

❞ كتاب السلطان عبد الحميد الثانى وفكرة الجامعة الإسلامية ❝ ⏤ علي محمد الصلابي

عبد الحميد الثاني (بالتركية العثمانية: عبد حميد ثانی؛ وبالتركية الحديثة: Sultan Abdülhamid II أو II. Abdülhamid). هو خليفة المسلمين الثاني بعد المائة والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرون من سلاطين آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم، تقسم فترة حكمه إلى قسمين: الدور الأول وقد دام مدة سنة ونصف ولم تكن له سلطة فعلية، والدور الثاني وحكم خلاله حكماً فردياً، يسميه معارضوه "دور الاستبداد" وقد دام قرابة ثلاثين سنة. تولى السلطان عبد الحميد الحكم في (10 شعبان 1293 هـ - 31 أغسطس 1876)، وخُلع بانقلابٍ في (6 ربيع الآخر 1327 هـ - 27 أبريل 1909)، فوُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته في 10 فبراير 1918م. وخلفه أخوه السلطان محمد الخامس. أطلقت عليه عدة ألقاب منها "السُلطان المظلوم"، بينما أطلق عليه معارضوه لقب "السُلطان الأحمر"، ويضاف إلى اسمه أحياناً لقب الـ "غازي". وهو شقيق كلٍ من: السلطان مراد الخامس والسلطان محمد الخامس والسلطان محمد السادس.

استمر تحديث الإمبراطورية العثمانية خلال فترة حكمه، بما في ذلك إصلاح البيروقراطية، وتمديد سكة حديد روميليا وسكة الأناضول، وبناء سكة حديد بغداد وسكة الحجاز. بالإضافة إلى ذلك، تأسست أنظمة التسجيل السكاني والسيطرة على الصحافة، إلى جانب أول مدرسة محلية في عام 1898. أُنشئت العديد من المدارس المهنية في عدة مجالات بما في ذلك القانون والفنون والمرفقات والهندسة المدنية والطب البيطري والجمارك، على الرغم من أن عبد الحميد الثاني أغلق جامعة اسطنبول في عام 1881، إلا أنه أعاد فتحها في عام 1900، ومُددت شبكة من المدارس الثانوية والاستدالية والعسكرية في جميع أنحاء الإمبراطورية. لعبت الشركات الألمانية دوراً رئيسياً في تطوير أنظمة السكك الحديدية والتلغراف. أشرف عبد الحميد على حرب فاشلة مع الإمبراطورية الروسية (1877-1878) تلتها حرب ناجحة ضد مملكة اليونان في عام 1897. خلال فترة حكمه، رفض عبد الحميد عروض تيودور هرتزل لسداد جزء كبير من الدين العثماني (150 مليون جنيه إسترليني من الذهب) مقابل ميثاق يسمح للصهاينة بالاستقرار في فلسطين. يتردد أنه قال لمبعوث هرتزل «ما دمت على قيد الحياة، لن أقسم أجسادنا، فقط جثتنا هي ما يمكنهم تقسيمها».

اعتلى عبد الحميد عرش السلطنة والعالم العربي يشهد قيام فكرتين كانتا ردة فعل ضد الاستعمار والسيطرة الأجنبية، إحداهما فكرة "الجامعة الإسلامية"، والثانية "القومية العربية" والوحدة العربية وكانت قد انتشرت في البلدان العربية وخاصة بين نصارى الشام. وعندما أصبح العالم الإسلامي هدفاً للدول الاستعمارية، استيقظت فكرة إحياء الوحدة الإسلامية لتوحيد الجهود ضد هذه الدول. فتزعم السلطان عبد الحميد إبان حكمه هذه السياسة نظراً للظروف الداخلية والخارجية، لأنه وجدها علاج دولته، ولم ير أن الوحدة الداخلية وحدها كافية بل أن يمتد تأثيرها نحو كل مسلمي العالم. بدأ السلطان بتطبيق هذه السياسة، وأخذ ينفذها، وأخذ من نامق كمال في البيئة العثمانية، وجمال الدين الأفغاني في البيئة الإسلامية والعربية، لتنفيذ سياسته في الداخل وفي الخارج، ففي الداخل كان تنفيذ مبادئ الحركة يعني الالتزام بحدود الشريعة الإسلامية، وفي الخارج يعني التفاف المسلمين حول الخلافة. بعد أن بدأ بتطبيق "حركة الجامعة الإسلامية" استطاع أن يحتفظ بولاء الأقوام غير التركية في الدولة، وكسب جميع المسلمين إلى جانبه. وللمحافظة على ما تبقى من الأقاليم العربية بعد ضياع تونس ومصر أخذ يقرب عدداً من الشخصيات العربية كعزت باشا العابد وأبو الهدى الصيادي وغيرهم، وكون فرقة عسكرية أدخلها في حرسه الخاص، واهتم بالمقدسات الإسلامية الثلاث التي جميعها بحوزة العرب وخصص لها الأموال، وعمد إلى مصاهرتهم فزوج أميرتين من آل عثمان بشابين عربيين. وعمد إلى دعوة الزعماء والمفكرين من غير العرب ليظهر اهتمامه برعاية العلم والعلماء فقام بدعوة جمال الدين الأفغاني إلى إسطنبول، مما يذكر أن السلطان استعان بجملة من العلماء على رأسهم جمال الدين الأفغاني محاولاً التقريب بين المذاهب الإسلامية والتقرب من إيران. من الوسائل التي لجأ إليها السلطان لدعم الحركة إحياء مركز الخلافة الإسلامية لاستمالة المسلمين حول العالم من غير رعاية الدولة حوله وحرص على إقران الأسماء الدينية مثل "أمير المؤمنين" و"خادم الحرمين الشريفين". وعمد على إضافة مظاهر الزهد وممارسة الشعائر الدينية علانية وأحاط نفسه بعلماء الدين، وغيرها. وأدخل اللغة العربية على برامج الدروس في المعاهد وحاول جعلها مساوية للّغة التركية اللغة الرسمية للدولة. وكان أهم منجزاته لدعم حركة الجامعة الإسلامية مشروع خط حديد الحجاز. كانت هذه الحركة نجاحاً تأرجح بين القوة والضعف، وانتشر صداها في العالم الإسلامي والعالم العربي، وبرزت دعوات رافضة لحركة الجامعة الإسلامية كفكرة دينية في العالم العربي وتركيا وأوروبا، ففي العالم العربي برزت القومية العربية خاصة بين النصارى، ودور عبد الرحمن الكواكبي الذي هو أحد رواد الحركة الإسلامية إلا أنه رسخها بصورة مغايرة عن حركة السلطان عبد الحميد وقد أراد أن تكون الخلافة عربية وفي قريش ومركزها مكة المكرمة وإبعادها عن آل عثمان، وفي تركيا الحركة الطورانية، وأما أوروبا فقد عملت على تشويه صورة السلطان أمام رعاياها المسلمين بوصفه حاكماً استبدادياً يتسم بالظلم.

نهاية السلطان

مدينة سالونيك في 1917م المدينة التي نفي إليها السلطان عبد الحميد بعد خلعه.
يجمع الكثير من المؤرخين أن هذه الواقعة "واقعة 31 مارت" مدبرة بالكامل وأن أهدافها محددة من قبل الاتحاديين وبمساعدة من بريطانيا بالرغم من أن المطالب لا تجعل أحداً يشك أنها كانت منهم وبهدف إثارة القلاقل والفوضى. فرتبوا شعارات دينية أثناء الحوادث التي افتعلوها مثل: "الشريعة تنتهك" أو "ضُيعت الشريعة"، وألصقوا هذا كله بالمسلمين واتهموهم "بالرجعية". كانت الأسباب التي دفعت الاتحاديين إلى تدبير هذه الحوادث هي إقدامهم على فعل خطوات حساسة مثل قتل "إسماعيل ماهر باشا" والصحفيين المعارضين لهم "أحمد صميم بك" وحسن فهمي بك، وفي نفس الوقت ارتفعت معدلات الجريمة وتزايدها يوماً بعد يوم، وأيضاً قلق الشعب بسبب زيادة الجرائم، وظهور من يرغب بإعادة زمام الأمور إلى السُلطان عبد الحميد مرة أخرى، ودخول الجيش في السياسة، وتسريح العديد من الضباط والجنود المخالفين أثار قلقاً واسعاً.



صورة حديثة لقصر بكلربكي في مدينة إسطنبول، القصر الذي نُقل إليه السلطان بعد أن كان في مدينة سالونيك.
وتحت هذه الأجواء انطلق الجنود القادمين إلى إسطنبول من الجيش الثالث وهتفوا "نطالب بالشريعة" وأعلنوا التمرد وهذا كله بغياب الضباط وبرئاسة عرفاء، وطالبوا أمام جامعي آيا صوفيا والسلطان أحمد بعزل الصدر الأعظم حسين حلمي باشا ورئيس مجلس المبعوثان "أحمد رضا بك" ونفي الاتحاديين وانضم لهم حشود من أصناف الشعب وخاصةً الحمالين. يظهر أن هدف هذه المؤامرة هو كبح جماح جمعية الاتحاد والترقي ونصرة السُلطان عبد الحميد والشريعة كما يهتفون. قاموا بقتل وزير العدل "ناظم باشا" ظانين أنه "أحمد رضا بك" وقتلو "الأمير شكيب أرسلان" أحد المبعوثين ظانين أنه الصحفي "حسين جاهد". قام السلطان عبد الحميد باستدعاء قائد الفرقة الثانية وأمره بإخماد التمرد لكنه رفض قائلاً أنه ينتظر الأمر من قائد الجيش. أنضم في الفترة إلى حركة التمرد معارضي جمعية الاتحاد والترقي وبعض علماء الدين. وساقت جمعية الاتحاد والترقي جيشاً سمي "بجيش الحركة" من مدينة سالونيك إلى العاصمة إسطنبول وكان يقال أن هدفه الأساسي "نجدة السلطان" تحت قيادة "محمود شوكت باشا"، وطلب قائد الجيش الأول "ناظم باشا" من السُلطان التدخل لردعه، لكنه رفض قائلاً بأنهم مسلمون مثلكم، دخل "جيش الحركة" إلى إسطنبول في 6 رجب/25 أبريل وسيطر عليها وأعلن الطوارئ وأعدم الآلاف ونهب قصر يلدز مقر السلطان. وفي اليوم التالي 7 ربيع الآخر 1327 هـ/27 أبريل 1909م دعا "محمود شوكت باشا" مجلسي النواب والأعيان لمجلس مشترك سُمي "بالمجلس الوطني المشترك" واستصدروا فتوى بخلعه بالضغط على شيخ الإسلام، وقيل أنه رفض وحصلوا على توقيع أحد العلماء الآخرين، وقيل أنهم عرضوا على "أمين الفتوى" الحاج نوري أفندي إلا أنه رفض. واتهم السلطان عبد الحميد الثاني بعدة تهم، تدبير "واقعة 31 مارت"، وبالإسراف، وبالظلم وسفك الدماء، وتحريق المصاحف والكتب الدينية، انكر جل المؤرخون هذه التهم التي وجهت للسلطان. استدعى المجلس الصدر الأعظم "توفيق باشا" ليبلغ السلطان بقرار الخلع إلا أنه رفض، فكلفوا وفداً من أربعة أشخاص هم: "عارف حكمت باشا" و"آرام الأرمني" و"أسعد طوطاني" و"قره صو عمانوئيل اليهودي"، وقرأ الوفد الفتوى على الخليفة. ونصب محمد الخامس أخ عبد الحميد الأصغر محله. ونفي إلى مدينة سالونيك مع مرافقيه وعائلته عبر القطار، ولم يُسمح لأحد منهم باخذ حاجياته وصودرت كل أراضيه وأمواله، وبقى في قصر "ألاتيني" تحت الحراسة المشددة.


السلطان في 1908م.
تعرف السلطان عبد الحميد الثاني على الشيخ الشاذلي محمود بن محيي الدين بن مصطفى أبو الشامات، عند زيارته لإسطنبول عن طريق مدير القصر السلطان "راغب رضا بك" الذي كان من تلاميذ الشيخ، ومن بعد تعرفه عليه اتبع عبد الحميد الطريقة الشاذلية. وفي ديسمبر 1972م نشر المحرر سعيد الأفغاني في مجلة العربي في العدد رقم 169 رسالة مترجمة من اللغة العثمانية إلى اللغة العربية ذكر أنها كانت بحوزة أحفاد محمود أبو الشامات، وقد أرسلها السلطان إليه عندما كان منفياً في مدينة سالونيك عن طريق أحد الجنود الذي كان من تلاميذ أبو الشامات، الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين،

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.

أرفع عريضتي إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجياً دعواته الصالحة.

بعد تقديم احترامي أعرض أنني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس في السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.

سيدي

انني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلاً ونهاراً. وأعرض أنني ما زلت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.

بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:

انني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني ـ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم ـ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة.

إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرا وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهبا، فرفضت بصورة قطعية أيضا وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي:

«إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً ـ فضلاً عن (150) مائة وخمسين ليرة إنكليزية ذهبا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي. لقد خدمت الملّة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضاً.»

وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سالونيك فقبلت بهذا التكليف الأخير.

هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة: فلسطين.. وقد كان بعد ذلك ما كان. ولذا فاني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال. وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه.

ألثم على يديكم المباركتين وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول إحترامي وسلامي إلى جميع الإخوان والأصدقاء.

يا أستاذي المعظم، لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن أحيط سماحتكم علماً، وتحيط جماعتكم بذلك علماً أيضاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


وفاته

الضريح الذي دفن فيه السلطان عبد الحميد وجده السلطان محمود الثاني (1785م - 1839م) وعمه السلطان عبد العزيز الأول (1830م - 1876م).
نفي عبد الحميد إلى مدينة سالونيك وبقي هناك تحت الحراسة المشددة وفي أحوال سيئة، كان لعبد الحميد أموال مودعة في البنوك الألمانية، ضغط الاتحاديون على السلطان فترة طويلة حتى تنازل لهم عنها، إلا أنه شرط عدة شروط عليهم لأخذها وهي عودة ابنه عبد الرحيم أفندي إلى إسطنبول ليتحصل على العلم، وعودة بناته ليتزوجن، ومنح بعض العمال معه الحرية، وتخصيص قدر كافي من النقود له وشراء قصر ألاتيني وغيرها من الشروط، وبقي هناك في سالونيك من 1908م وحتى اندلاع حرب البلقان الأولى عام 1912م لأن مدينة سالونيك أصبحت معرضة للخطر وبهذا قُرر نقله إلى العاصمة إسطنبول وقد خصصت له السفارة الألمانية باخرتها، ووصل إليها في 1 نوفمبر 1912م واستقر في قصر بكلربكي. تدهورت صحة عبد الحميد وأصبح يشكو من الإرهاق ومن مشاكل في الجهاز الهضمي.

وفي 9 فبراير 1918م شعر بألم في جسمه بعد أن نهض من مائدة الطعام، وكان طبيبه الخاص قد حصل على أذن، فقام أحد من كانوا معه وهو "راسم بك" باستدعاء طبيب أخيه الأصغر محمد وحيد الدين الذي أصبح سلطاناً لاحقاً، وعندما فحصه أبلغهم بأن مرضه بوادر سل خطير، فابلغ راسم بك السلطان محمد الخامس، وفحصه الدكتور "عاطف بك" وتوصل لنفس الأمر، واستدعوا طبيبًا مشهور وهو "نشأت عمر بك" ليفحصه وعند الصباح التالي أصر على الاستحمام على غير رغبة الطبيب وعند خروجه منه بدأ يتصبب عرقًا، وأرسل أخوه السلطان محمد رشاد الأطباء ودخلوا عليه وقالوا أنه من الممكن أن هذا نتيجة الإفراط في الطعام في الليلة السابقة. واستدعي ابنه محمد سليم أفندي وأحمد أفندي وقبل دخولهم عليه توفي وكان ذلك في 10 فبراير 1918م يوم الأحد ودفن في مدينة إسطنبول.


هذا الكتاب هو جزء من كتاب الدولة العثمانية، وتم طبعه ونشره بشكل منفصل، والمؤرخ والفقيه المحلل، ، ويحدثنا عن الفترات الأخيرة من الحكم العثماني وبالتحديد فترة عبدالحميد الثاني، ويحوي العديد من الحقائق حول موضوع إسقاط الخلافة العثمانية والإطاحة بالسلطان عبدالحمي
فيعرض لنا علي الصلابي نشأة السلطان عبدالحميد الثاني، وجهوده، وآراءه، ويستند على كثير من كتاباته ومذكراته التي كتبها بنفسه، وبعد ذلك فيقدم تحليلًا رائعًا ونظرة ثاقبة للأسباب التي أدت إلى انهيار الدولة العثمانية والممهدات التي سبقت هذا، والوضع الذي كانت عليه الدولة في هذا الوقت، والتحديات التي واجهتها، وكذلك علاقاتها مع الغرب كيف اضطربت وكيف تآمر عليها، والأمور الداخلية مثل الثورات وظهور العلمانيين في داخل الدولة العثمانية وغير ذلك من القضايا الهامة التي توضح لنا ماحدث.
علي محمد الصلابي - علي محمد محمد الصلابي (مواليد 1963، بنغازي بليبيا)، فقيه، وكاتب، ومؤرخ، ومحلل سياسي ليبي. له العديد من المؤلفات. شارك بلجنة المراجعة التاريخية وتدقيق النص بمسلسل عمر.

وضع علي الصلابي وشقيقه إسماعيل على قوائم الإرهاب في كل من السعودية وليبيا والإمارات ومصر والبحرين.



❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ عصر الدولتين الأموية والعباسية وظهور فكر الخوارج ❝ ❞ فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شخصيته وعصره ❝ ❞ غزوات الرسول صلي الله عليه وسلم دروس وعبر وفوائد ❝ ❞ الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ❝ ❞ الدولة الفاطمية ❝ ❞ فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح ❝ ❞ دولة الموحدين ❝ ❞ السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث ❝ ❞ معاوية بن أبي سفيان شخصيته وعصره ❝ الناشرين : ❞ دار المعرفة للطباعة والنشر ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ المكتبة العصرية ❝ ❞ دار ابن كثير ❝ ❞ مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار التوزيع والنشر ❝ ❞ مكتبة الصحابة ❝ ❞ دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الكتاب الحديث ❝ ❞ الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع ❝ ❞ مبرة الآل والأصحاب ❝ ❞ دار البيارق ❝ ❱
من كتب السير و المذكرات التراجم والأعلام - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.

نبذة عن الكتاب:
السلطان عبد الحميد الثانى وفكرة الجامعة الإسلامية

عبد الحميد الثاني (بالتركية العثمانية: عبد حميد ثانی؛ وبالتركية الحديثة: Sultan Abdülhamid II أو II. Abdülhamid). هو خليفة المسلمين الثاني بعد المائة والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرون من سلاطين آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم، تقسم فترة حكمه إلى قسمين: الدور الأول وقد دام مدة سنة ونصف ولم تكن له سلطة فعلية، والدور الثاني وحكم خلاله حكماً فردياً، يسميه معارضوه "دور الاستبداد" وقد دام قرابة ثلاثين سنة. تولى السلطان عبد الحميد الحكم في (10 شعبان 1293 هـ - 31 أغسطس 1876)، وخُلع بانقلابٍ في (6 ربيع الآخر 1327 هـ - 27 أبريل 1909)، فوُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته في 10 فبراير 1918م. وخلفه أخوه السلطان محمد الخامس. أطلقت عليه عدة ألقاب منها "السُلطان المظلوم"، بينما أطلق عليه معارضوه لقب "السُلطان الأحمر"، ويضاف إلى اسمه أحياناً لقب الـ "غازي". وهو شقيق كلٍ من: السلطان مراد الخامس والسلطان محمد الخامس والسلطان محمد السادس.

استمر تحديث الإمبراطورية العثمانية خلال فترة حكمه، بما في ذلك إصلاح البيروقراطية، وتمديد سكة حديد روميليا وسكة الأناضول، وبناء سكة حديد بغداد وسكة الحجاز. بالإضافة إلى ذلك، تأسست أنظمة التسجيل السكاني والسيطرة على الصحافة، إلى جانب أول مدرسة محلية في عام 1898. أُنشئت العديد من المدارس المهنية في عدة مجالات بما في ذلك القانون والفنون والمرفقات والهندسة المدنية والطب البيطري والجمارك، على الرغم من أن عبد الحميد الثاني أغلق جامعة اسطنبول في عام 1881، إلا أنه أعاد فتحها في عام 1900، ومُددت شبكة من المدارس الثانوية والاستدالية والعسكرية في جميع أنحاء الإمبراطورية. لعبت الشركات الألمانية دوراً رئيسياً في تطوير أنظمة السكك الحديدية والتلغراف. أشرف عبد الحميد على حرب فاشلة مع الإمبراطورية الروسية (1877-1878) تلتها حرب ناجحة ضد مملكة اليونان في عام 1897. خلال فترة حكمه، رفض عبد الحميد عروض تيودور هرتزل لسداد جزء كبير من الدين العثماني (150 مليون جنيه إسترليني من الذهب) مقابل ميثاق يسمح للصهاينة بالاستقرار في فلسطين. يتردد أنه قال لمبعوث هرتزل «ما دمت على قيد الحياة، لن أقسم أجسادنا، فقط جثتنا هي ما يمكنهم تقسيمها».

اعتلى عبد الحميد عرش السلطنة والعالم العربي يشهد قيام فكرتين كانتا ردة فعل ضد الاستعمار والسيطرة الأجنبية، إحداهما فكرة "الجامعة الإسلامية"، والثانية "القومية العربية" والوحدة العربية وكانت قد انتشرت في البلدان العربية وخاصة بين نصارى الشام. وعندما أصبح العالم الإسلامي هدفاً للدول الاستعمارية، استيقظت فكرة إحياء الوحدة الإسلامية لتوحيد الجهود ضد هذه الدول. فتزعم السلطان عبد الحميد إبان حكمه هذه السياسة نظراً للظروف الداخلية والخارجية، لأنه وجدها علاج دولته، ولم ير أن الوحدة الداخلية وحدها كافية بل أن يمتد تأثيرها نحو كل مسلمي العالم. بدأ السلطان بتطبيق هذه السياسة، وأخذ ينفذها، وأخذ من نامق كمال في البيئة العثمانية، وجمال الدين الأفغاني في البيئة الإسلامية والعربية، لتنفيذ سياسته في الداخل وفي الخارج، ففي الداخل كان تنفيذ مبادئ الحركة يعني الالتزام بحدود الشريعة الإسلامية، وفي الخارج يعني التفاف المسلمين حول الخلافة. بعد أن بدأ بتطبيق "حركة الجامعة الإسلامية" استطاع أن يحتفظ بولاء الأقوام غير التركية في الدولة، وكسب جميع المسلمين إلى جانبه. وللمحافظة على ما تبقى من الأقاليم العربية بعد ضياع تونس ومصر أخذ يقرب عدداً من الشخصيات العربية كعزت باشا العابد وأبو الهدى الصيادي وغيرهم، وكون فرقة عسكرية أدخلها في حرسه الخاص، واهتم بالمقدسات الإسلامية الثلاث التي جميعها بحوزة العرب وخصص لها الأموال، وعمد إلى مصاهرتهم فزوج أميرتين من آل عثمان بشابين عربيين. وعمد إلى دعوة الزعماء والمفكرين من غير العرب ليظهر اهتمامه برعاية العلم والعلماء فقام بدعوة جمال الدين الأفغاني إلى إسطنبول، مما يذكر أن السلطان استعان بجملة من العلماء على رأسهم جمال الدين الأفغاني محاولاً التقريب بين المذاهب الإسلامية والتقرب من إيران. من الوسائل التي لجأ إليها السلطان لدعم الحركة إحياء مركز الخلافة الإسلامية لاستمالة المسلمين حول العالم من غير رعاية الدولة حوله وحرص على إقران الأسماء الدينية مثل "أمير المؤمنين" و"خادم الحرمين الشريفين". وعمد على إضافة مظاهر الزهد وممارسة الشعائر الدينية علانية وأحاط نفسه بعلماء الدين، وغيرها. وأدخل اللغة العربية على برامج الدروس في المعاهد وحاول جعلها مساوية للّغة التركية اللغة الرسمية للدولة. وكان أهم منجزاته لدعم حركة الجامعة الإسلامية مشروع خط حديد الحجاز. كانت هذه الحركة نجاحاً تأرجح بين القوة والضعف، وانتشر صداها في العالم الإسلامي والعالم العربي، وبرزت دعوات رافضة لحركة الجامعة الإسلامية كفكرة دينية في العالم العربي وتركيا وأوروبا، ففي العالم العربي برزت القومية العربية خاصة بين النصارى، ودور عبد الرحمن الكواكبي الذي هو أحد رواد الحركة الإسلامية إلا أنه رسخها بصورة مغايرة عن حركة السلطان عبد الحميد وقد أراد أن تكون الخلافة عربية وفي قريش ومركزها مكة المكرمة وإبعادها عن آل عثمان، وفي تركيا الحركة الطورانية، وأما أوروبا فقد عملت على تشويه صورة السلطان أمام رعاياها المسلمين بوصفه حاكماً استبدادياً يتسم بالظلم.

نهاية السلطان

مدينة سالونيك في 1917م المدينة التي نفي إليها السلطان عبد الحميد بعد خلعه.
يجمع الكثير من المؤرخين أن هذه الواقعة "واقعة 31 مارت" مدبرة بالكامل وأن أهدافها محددة من قبل الاتحاديين وبمساعدة من بريطانيا بالرغم من أن المطالب لا تجعل أحداً يشك أنها كانت منهم وبهدف إثارة القلاقل والفوضى. فرتبوا شعارات دينية أثناء الحوادث التي افتعلوها مثل: "الشريعة تنتهك" أو "ضُيعت الشريعة"، وألصقوا هذا كله بالمسلمين واتهموهم "بالرجعية". كانت الأسباب التي دفعت الاتحاديين إلى تدبير هذه الحوادث هي إقدامهم على فعل خطوات حساسة مثل قتل "إسماعيل ماهر باشا" والصحفيين المعارضين لهم "أحمد صميم بك" وحسن فهمي بك، وفي نفس الوقت ارتفعت معدلات الجريمة وتزايدها يوماً بعد يوم، وأيضاً قلق الشعب بسبب زيادة الجرائم، وظهور من يرغب بإعادة زمام الأمور إلى السُلطان عبد الحميد مرة أخرى، ودخول الجيش في السياسة، وتسريح العديد من الضباط والجنود المخالفين أثار قلقاً واسعاً.



صورة حديثة لقصر بكلربكي في مدينة إسطنبول، القصر الذي نُقل إليه السلطان بعد أن كان في مدينة سالونيك.
وتحت هذه الأجواء انطلق الجنود القادمين إلى إسطنبول من الجيش الثالث وهتفوا "نطالب بالشريعة" وأعلنوا التمرد وهذا كله بغياب الضباط وبرئاسة عرفاء، وطالبوا أمام جامعي آيا صوفيا والسلطان أحمد بعزل الصدر الأعظم حسين حلمي باشا ورئيس مجلس المبعوثان "أحمد رضا بك" ونفي الاتحاديين وانضم لهم حشود من أصناف الشعب وخاصةً الحمالين. يظهر أن هدف هذه المؤامرة هو كبح جماح جمعية الاتحاد والترقي ونصرة السُلطان عبد الحميد والشريعة كما يهتفون. قاموا بقتل وزير العدل "ناظم باشا" ظانين أنه "أحمد رضا بك" وقتلو "الأمير شكيب أرسلان" أحد المبعوثين ظانين أنه الصحفي "حسين جاهد". قام السلطان عبد الحميد باستدعاء قائد الفرقة الثانية وأمره بإخماد التمرد لكنه رفض قائلاً أنه ينتظر الأمر من قائد الجيش. أنضم في الفترة إلى حركة التمرد معارضي جمعية الاتحاد والترقي وبعض علماء الدين. وساقت جمعية الاتحاد والترقي جيشاً سمي "بجيش الحركة" من مدينة سالونيك إلى العاصمة إسطنبول وكان يقال أن هدفه الأساسي "نجدة السلطان" تحت قيادة "محمود شوكت باشا"، وطلب قائد الجيش الأول "ناظم باشا" من السُلطان التدخل لردعه، لكنه رفض قائلاً بأنهم مسلمون مثلكم، دخل "جيش الحركة" إلى إسطنبول في 6 رجب/25 أبريل وسيطر عليها وأعلن الطوارئ وأعدم الآلاف ونهب قصر يلدز مقر السلطان. وفي اليوم التالي 7 ربيع الآخر 1327 هـ/27 أبريل 1909م دعا "محمود شوكت باشا" مجلسي النواب والأعيان لمجلس مشترك سُمي "بالمجلس الوطني المشترك" واستصدروا فتوى بخلعه بالضغط على شيخ الإسلام، وقيل أنه رفض وحصلوا على توقيع أحد العلماء الآخرين، وقيل أنهم عرضوا على "أمين الفتوى" الحاج نوري أفندي إلا أنه رفض. واتهم السلطان عبد الحميد الثاني بعدة تهم، تدبير "واقعة 31 مارت"، وبالإسراف، وبالظلم وسفك الدماء، وتحريق المصاحف والكتب الدينية، انكر جل المؤرخون هذه التهم التي وجهت للسلطان. استدعى المجلس الصدر الأعظم "توفيق باشا" ليبلغ السلطان بقرار الخلع إلا أنه رفض، فكلفوا وفداً من أربعة أشخاص هم: "عارف حكمت باشا" و"آرام الأرمني" و"أسعد طوطاني" و"قره صو عمانوئيل اليهودي"، وقرأ الوفد الفتوى على الخليفة. ونصب محمد الخامس أخ عبد الحميد الأصغر محله. ونفي إلى مدينة سالونيك مع مرافقيه وعائلته عبر القطار، ولم يُسمح لأحد منهم باخذ حاجياته وصودرت كل أراضيه وأمواله، وبقى في قصر "ألاتيني" تحت الحراسة المشددة.


السلطان في 1908م.
تعرف السلطان عبد الحميد الثاني على الشيخ الشاذلي محمود بن محيي الدين بن مصطفى أبو الشامات، عند زيارته لإسطنبول عن طريق مدير القصر السلطان "راغب رضا بك" الذي كان من تلاميذ الشيخ، ومن بعد تعرفه عليه اتبع عبد الحميد الطريقة الشاذلية. وفي ديسمبر 1972م نشر المحرر سعيد الأفغاني في مجلة العربي في العدد رقم 169 رسالة مترجمة من اللغة العثمانية إلى اللغة العربية ذكر أنها كانت بحوزة أحفاد محمود أبو الشامات، وقد أرسلها السلطان إليه عندما كان منفياً في مدينة سالونيك عن طريق أحد الجنود الذي كان من تلاميذ أبو الشامات، الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين،

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.

أرفع عريضتي إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجياً دعواته الصالحة.

بعد تقديم احترامي أعرض أنني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس في السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.

سيدي

انني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلاً ونهاراً. وأعرض أنني ما زلت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.

بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:

انني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني ـ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم ـ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة.

إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرا وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهبا، فرفضت بصورة قطعية أيضا وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي:

«إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً ـ فضلاً عن (150) مائة وخمسين ليرة إنكليزية ذهبا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي. لقد خدمت الملّة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضاً.»

وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سالونيك فقبلت بهذا التكليف الأخير.

هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة: فلسطين.. وقد كان بعد ذلك ما كان. ولذا فاني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال. وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه.

ألثم على يديكم المباركتين وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول إحترامي وسلامي إلى جميع الإخوان والأصدقاء.

يا أستاذي المعظم، لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن أحيط سماحتكم علماً، وتحيط جماعتكم بذلك علماً أيضاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


وفاته

الضريح الذي دفن فيه السلطان عبد الحميد وجده السلطان محمود الثاني (1785م - 1839م) وعمه السلطان عبد العزيز الأول (1830م - 1876م).
نفي عبد الحميد إلى مدينة سالونيك وبقي هناك تحت الحراسة المشددة وفي أحوال سيئة، كان لعبد الحميد أموال مودعة في البنوك الألمانية، ضغط الاتحاديون على السلطان فترة طويلة حتى تنازل لهم عنها، إلا أنه شرط عدة شروط عليهم لأخذها وهي عودة ابنه عبد الرحيم أفندي إلى إسطنبول ليتحصل على العلم، وعودة بناته ليتزوجن، ومنح بعض العمال معه الحرية، وتخصيص قدر كافي من النقود له وشراء قصر ألاتيني وغيرها من الشروط، وبقي هناك في سالونيك من 1908م وحتى اندلاع حرب البلقان الأولى عام 1912م لأن مدينة سالونيك أصبحت معرضة للخطر وبهذا قُرر نقله إلى العاصمة إسطنبول وقد خصصت له السفارة الألمانية باخرتها، ووصل إليها في 1 نوفمبر 1912م واستقر في قصر بكلربكي. تدهورت صحة عبد الحميد وأصبح يشكو من الإرهاق ومن مشاكل في الجهاز الهضمي.

وفي 9 فبراير 1918م شعر بألم في جسمه بعد أن نهض من مائدة الطعام، وكان طبيبه الخاص قد حصل على أذن، فقام أحد من كانوا معه وهو "راسم بك" باستدعاء طبيب أخيه الأصغر محمد وحيد الدين الذي أصبح سلطاناً لاحقاً، وعندما فحصه أبلغهم بأن مرضه بوادر سل خطير، فابلغ راسم بك السلطان محمد الخامس، وفحصه الدكتور "عاطف بك" وتوصل لنفس الأمر، واستدعوا طبيبًا مشهور وهو "نشأت عمر بك" ليفحصه وعند الصباح التالي أصر على الاستحمام على غير رغبة الطبيب وعند خروجه منه بدأ يتصبب عرقًا، وأرسل أخوه السلطان محمد رشاد الأطباء ودخلوا عليه وقالوا أنه من الممكن أن هذا نتيجة الإفراط في الطعام في الليلة السابقة. واستدعي ابنه محمد سليم أفندي وأحمد أفندي وقبل دخولهم عليه توفي وكان ذلك في 10 فبراير 1918م يوم الأحد ودفن في مدينة إسطنبول.


هذا الكتاب هو جزء من كتاب الدولة العثمانية، وتم طبعه ونشره بشكل منفصل، والمؤرخ والفقيه المحلل، ، ويحدثنا عن الفترات الأخيرة من الحكم العثماني وبالتحديد فترة عبدالحميد الثاني، ويحوي العديد من الحقائق حول موضوع إسقاط الخلافة العثمانية والإطاحة بالسلطان عبدالحمي
فيعرض لنا علي الصلابي نشأة السلطان عبدالحميد الثاني، وجهوده، وآراءه، ويستند على كثير من كتاباته ومذكراته التي كتبها بنفسه، وبعد ذلك فيقدم تحليلًا رائعًا ونظرة ثاقبة للأسباب التي أدت إلى انهيار الدولة العثمانية والممهدات التي سبقت هذا، والوضع الذي كانت عليه الدولة في هذا الوقت، والتحديات التي واجهتها، وكذلك علاقاتها مع الغرب كيف اضطربت وكيف تآمر عليها، والأمور الداخلية مثل الثورات وظهور العلمانيين في داخل الدولة العثمانية وغير ذلك من القضايا الهامة التي توضح لنا ماحدث.

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

عبد الحميد الثاني (بالتركية العثمانية: عبد حميد ثانی؛ وبالتركية الحديثة: Sultan Abdülhamid II أو II. Abdülhamid). هو خليفة المسلمين الثاني بعد المائة والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرون من سلاطين آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم، تقسم فترة حكمه إلى قسمين: الدور الأول وقد دام مدة سنة ونصف ولم تكن له سلطة فعلية، والدور الثاني وحكم خلاله حكماً فردياً، يسميه معارضوه "دور الاستبداد" وقد دام قرابة ثلاثين سنة. تولى السلطان عبد الحميد الحكم في (10 شعبان 1293 هـ - 31 أغسطس 1876)، وخُلع بانقلابٍ في (6 ربيع الآخر 1327 هـ - 27 أبريل 1909)، فوُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته في 10 فبراير 1918م. وخلفه أخوه السلطان محمد الخامس. أطلقت عليه عدة ألقاب منها "السُلطان المظلوم"، بينما أطلق عليه معارضوه لقب "السُلطان الأحمر"، ويضاف إلى اسمه أحياناً لقب الـ "غازي". وهو شقيق كلٍ من: السلطان مراد الخامس والسلطان محمد الخامس والسلطان محمد السادس.

استمر تحديث الإمبراطورية العثمانية خلال فترة حكمه، بما في ذلك إصلاح البيروقراطية، وتمديد سكة حديد روميليا وسكة الأناضول، وبناء سكة حديد بغداد وسكة الحجاز. بالإضافة إلى ذلك، تأسست أنظمة التسجيل السكاني والسيطرة على الصحافة، إلى جانب أول مدرسة محلية في عام 1898. أُنشئت العديد من المدارس المهنية في عدة مجالات بما في ذلك القانون والفنون والمرفقات والهندسة المدنية والطب البيطري والجمارك، على الرغم من أن عبد الحميد الثاني أغلق جامعة اسطنبول في عام 1881، إلا أنه أعاد فتحها في عام 1900، ومُددت شبكة من المدارس الثانوية والاستدالية والعسكرية في جميع أنحاء الإمبراطورية. لعبت الشركات الألمانية دوراً رئيسياً في تطوير أنظمة السكك الحديدية والتلغراف. أشرف عبد الحميد على حرب فاشلة مع الإمبراطورية الروسية (1877-1878) تلتها حرب ناجحة ضد مملكة اليونان في عام 1897. خلال فترة حكمه، رفض عبد الحميد عروض تيودور هرتزل لسداد جزء كبير من الدين العثماني (150 مليون جنيه إسترليني من الذهب) مقابل ميثاق يسمح للصهاينة بالاستقرار في فلسطين. يتردد أنه قال لمبعوث هرتزل «ما دمت على قيد الحياة، لن أقسم أجسادنا، فقط جثتنا هي ما يمكنهم تقسيمها».

اعتلى عبد الحميد عرش السلطنة والعالم العربي يشهد قيام فكرتين كانتا ردة فعل ضد الاستعمار والسيطرة الأجنبية، إحداهما فكرة "الجامعة الإسلامية"، والثانية "القومية العربية" والوحدة العربية وكانت قد انتشرت في البلدان العربية وخاصة بين نصارى الشام. وعندما أصبح العالم الإسلامي هدفاً للدول الاستعمارية، استيقظت فكرة إحياء الوحدة الإسلامية لتوحيد الجهود ضد هذه الدول. فتزعم السلطان عبد الحميد إبان حكمه هذه السياسة نظراً للظروف الداخلية والخارجية، لأنه وجدها علاج دولته، ولم ير أن الوحدة الداخلية وحدها كافية بل أن يمتد تأثيرها نحو كل مسلمي العالم. بدأ السلطان بتطبيق هذه السياسة، وأخذ ينفذها، وأخذ من نامق كمال في البيئة العثمانية، وجمال الدين الأفغاني في البيئة الإسلامية والعربية، لتنفيذ سياسته في الداخل وفي الخارج، ففي الداخل كان تنفيذ مبادئ الحركة يعني الالتزام بحدود الشريعة الإسلامية، وفي الخارج يعني التفاف المسلمين حول الخلافة. بعد أن بدأ بتطبيق "حركة الجامعة الإسلامية" استطاع أن يحتفظ بولاء الأقوام غير التركية في الدولة، وكسب جميع المسلمين إلى جانبه. وللمحافظة على ما تبقى من الأقاليم العربية بعد ضياع تونس ومصر أخذ يقرب عدداً من الشخصيات العربية كعزت باشا العابد وأبو الهدى الصيادي وغيرهم، وكون فرقة عسكرية أدخلها في حرسه الخاص، واهتم بالمقدسات الإسلامية الثلاث التي جميعها بحوزة العرب وخصص لها الأموال، وعمد إلى مصاهرتهم فزوج أميرتين من آل عثمان بشابين عربيين. وعمد إلى دعوة الزعماء والمفكرين من غير العرب ليظهر اهتمامه برعاية العلم والعلماء فقام بدعوة جمال الدين الأفغاني إلى إسطنبول، مما يذكر أن السلطان استعان بجملة من العلماء على رأسهم جمال الدين الأفغاني محاولاً التقريب بين المذاهب الإسلامية والتقرب من إيران. من الوسائل التي لجأ إليها السلطان لدعم الحركة إحياء مركز الخلافة الإسلامية لاستمالة المسلمين حول العالم من غير رعاية الدولة حوله وحرص على إقران الأسماء الدينية مثل "أمير المؤمنين" و"خادم الحرمين الشريفين". وعمد على إضافة مظاهر الزهد وممارسة الشعائر الدينية علانية وأحاط نفسه بعلماء الدين، وغيرها. وأدخل اللغة العربية على برامج الدروس في المعاهد وحاول جعلها مساوية للّغة التركية اللغة الرسمية للدولة. وكان أهم منجزاته لدعم حركة الجامعة الإسلامية مشروع خط حديد الحجاز. كانت هذه الحركة نجاحاً تأرجح بين القوة والضعف، وانتشر صداها في العالم الإسلامي والعالم العربي، وبرزت دعوات رافضة لحركة الجامعة الإسلامية كفكرة دينية في العالم العربي وتركيا وأوروبا، ففي العالم العربي برزت القومية العربية خاصة بين النصارى، ودور عبد الرحمن الكواكبي الذي هو أحد رواد الحركة الإسلامية إلا أنه رسخها بصورة مغايرة عن حركة السلطان عبد الحميد وقد أراد أن تكون الخلافة عربية وفي قريش ومركزها مكة المكرمة وإبعادها عن آل عثمان، وفي تركيا الحركة الطورانية، وأما أوروبا فقد عملت على تشويه صورة السلطان أمام رعاياها المسلمين بوصفه حاكماً استبدادياً يتسم بالظلم.

نهاية السلطان

مدينة سالونيك في 1917م المدينة التي نفي إليها السلطان عبد الحميد بعد خلعه.
يجمع الكثير من المؤرخين أن هذه الواقعة "واقعة 31 مارت" مدبرة بالكامل وأن أهدافها محددة من قبل الاتحاديين وبمساعدة من بريطانيا بالرغم من أن المطالب لا تجعل أحداً يشك أنها كانت منهم وبهدف إثارة القلاقل والفوضى. فرتبوا شعارات دينية أثناء الحوادث التي افتعلوها مثل: "الشريعة تنتهك" أو "ضُيعت الشريعة"، وألصقوا هذا كله بالمسلمين واتهموهم "بالرجعية". كانت الأسباب التي دفعت الاتحاديين إلى تدبير هذه الحوادث هي إقدامهم على فعل خطوات حساسة مثل قتل "إسماعيل ماهر باشا" والصحفيين المعارضين لهم "أحمد صميم بك" وحسن فهمي بك، وفي نفس الوقت ارتفعت معدلات الجريمة وتزايدها يوماً بعد يوم، وأيضاً قلق الشعب بسبب زيادة الجرائم، وظهور من يرغب بإعادة زمام الأمور إلى السُلطان عبد الحميد مرة أخرى، ودخول الجيش في السياسة، وتسريح العديد من الضباط والجنود المخالفين أثار قلقاً واسعاً.

صورة حديثة لقصر بكلربكي في مدينة إسطنبول، القصر الذي نُقل إليه السلطان بعد أن كان في مدينة سالونيك.
وتحت هذه الأجواء انطلق الجنود القادمين إلى إسطنبول من الجيش الثالث وهتفوا "نطالب بالشريعة" وأعلنوا التمرد وهذا كله بغياب الضباط وبرئاسة عرفاء، وطالبوا أمام جامعي آيا صوفيا والسلطان أحمد بعزل الصدر الأعظم حسين حلمي باشا ورئيس مجلس المبعوثان "أحمد رضا بك" ونفي الاتحاديين وانضم لهم حشود من أصناف الشعب وخاصةً الحمالين. يظهر أن هدف هذه المؤامرة هو كبح جماح جمعية الاتحاد والترقي ونصرة السُلطان عبد الحميد والشريعة كما يهتفون. قاموا بقتل وزير العدل "ناظم باشا" ظانين أنه "أحمد رضا بك" وقتلو "الأمير شكيب أرسلان" أحد المبعوثين ظانين أنه الصحفي "حسين جاهد". قام السلطان عبد الحميد باستدعاء قائد الفرقة الثانية وأمره بإخماد التمرد لكنه رفض قائلاً أنه ينتظر الأمر من قائد الجيش. أنضم في الفترة إلى حركة التمرد معارضي جمعية الاتحاد والترقي وبعض علماء الدين. وساقت جمعية الاتحاد والترقي جيشاً سمي "بجيش الحركة" من مدينة سالونيك إلى العاصمة إسطنبول وكان يقال أن هدفه الأساسي "نجدة السلطان" تحت قيادة "محمود شوكت باشا"، وطلب قائد الجيش الأول "ناظم باشا" من السُلطان التدخل لردعه، لكنه رفض قائلاً بأنهم مسلمون مثلكم، دخل "جيش الحركة" إلى إسطنبول في 6 رجب/25 أبريل وسيطر عليها وأعلن الطوارئ وأعدم الآلاف ونهب قصر يلدز مقر السلطان. وفي اليوم التالي 7 ربيع الآخر 1327 هـ/27 أبريل 1909م دعا "محمود شوكت باشا" مجلسي النواب والأعيان لمجلس مشترك سُمي "بالمجلس الوطني المشترك" واستصدروا فتوى بخلعه بالضغط على شيخ الإسلام، وقيل أنه رفض وحصلوا على توقيع أحد العلماء الآخرين، وقيل أنهم عرضوا على "أمين الفتوى" الحاج نوري أفندي إلا أنه رفض. واتهم السلطان عبد الحميد الثاني بعدة تهم، تدبير "واقعة 31 مارت"، وبالإسراف، وبالظلم وسفك الدماء، وتحريق المصاحف والكتب الدينية، انكر جل المؤرخون هذه التهم التي وجهت للسلطان. استدعى المجلس الصدر الأعظم "توفيق باشا" ليبلغ السلطان بقرار الخلع إلا أنه رفض، فكلفوا وفداً من أربعة أشخاص هم: "عارف حكمت باشا" و"آرام الأرمني" و"أسعد طوطاني" و"قره صو عمانوئيل اليهودي"، وقرأ الوفد الفتوى على الخليفة. ونصب محمد الخامس أخ عبد الحميد الأصغر محله. ونفي إلى مدينة سالونيك مع مرافقيه وعائلته عبر القطار، ولم يُسمح لأحد منهم باخذ حاجياته وصودرت كل أراضيه وأمواله، وبقى في قصر "ألاتيني" تحت الحراسة المشددة.


السلطان في 1908م.
تعرف السلطان عبد الحميد الثاني على الشيخ الشاذلي محمود بن محيي الدين بن مصطفى أبو الشامات، عند زيارته لإسطنبول عن طريق مدير القصر السلطان "راغب رضا بك" الذي كان من تلاميذ الشيخ، ومن بعد تعرفه عليه اتبع عبد الحميد الطريقة الشاذلية. وفي ديسمبر 1972م نشر المحرر سعيد الأفغاني في مجلة العربي في العدد رقم 169 رسالة مترجمة من اللغة العثمانية إلى اللغة العربية ذكر أنها كانت بحوزة أحفاد محمود أبو الشامات، وقد أرسلها السلطان إليه عندما كان منفياً في مدينة سالونيك عن طريق أحد الجنود الذي كان من تلاميذ أبو الشامات، الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين،

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.

أرفع عريضتي إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجياً دعواته الصالحة.

بعد تقديم احترامي أعرض أنني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس في السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.

سيدي

انني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلاً ونهاراً. وأعرض أنني ما زلت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.

بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:

انني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني ـ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم ـ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة.

إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرا وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهبا، فرفضت بصورة قطعية أيضا وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي:

«إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً ـ فضلاً عن (150) مائة وخمسين ليرة إنكليزية ذهبا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي. لقد خدمت الملّة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضاً.»

وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سالونيك فقبلت بهذا التكليف الأخير.

هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة: فلسطين.. وقد كان بعد ذلك ما كان. ولذا فاني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال. وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه.

ألثم على يديكم المباركتين وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول إحترامي وسلامي إلى جميع الإخوان والأصدقاء.

يا أستاذي المعظم، لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن أحيط سماحتكم علماً، وتحيط جماعتكم بذلك علماً أيضاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


وفاته

الضريح الذي دفن فيه السلطان عبد الحميد وجده السلطان محمود الثاني (1785م - 1839م) وعمه السلطان عبد العزيز الأول (1830م - 1876م).
نفي عبد الحميد إلى مدينة سالونيك وبقي هناك تحت الحراسة المشددة وفي أحوال سيئة، كان لعبد الحميد أموال مودعة في البنوك الألمانية، ضغط الاتحاديون على السلطان فترة طويلة حتى تنازل لهم عنها، إلا أنه شرط عدة شروط عليهم لأخذها وهي عودة ابنه عبد الرحيم أفندي إلى إسطنبول ليتحصل على العلم، وعودة بناته ليتزوجن، ومنح بعض العمال معه الحرية، وتخصيص قدر كافي من النقود له وشراء قصر ألاتيني وغيرها من الشروط، وبقي هناك في سالونيك من 1908م وحتى اندلاع حرب البلقان الأولى عام 1912م لأن مدينة سالونيك أصبحت معرضة للخطر وبهذا قُرر نقله إلى العاصمة إسطنبول وقد خصصت له السفارة الألمانية باخرتها، ووصل إليها في 1 نوفمبر 1912م واستقر في قصر بكلربكي. تدهورت صحة عبد الحميد وأصبح يشكو من الإرهاق ومن مشاكل في الجهاز الهضمي.

وفي 9 فبراير 1918م شعر بألم في جسمه بعد أن نهض من مائدة الطعام، وكان طبيبه الخاص قد حصل على أذن، فقام أحد من كانوا معه وهو "راسم بك" باستدعاء طبيب أخيه الأصغر محمد وحيد الدين الذي أصبح سلطاناً لاحقاً، وعندما فحصه أبلغهم بأن مرضه بوادر سل خطير، فابلغ راسم بك السلطان محمد الخامس، وفحصه الدكتور "عاطف بك" وتوصل لنفس الأمر، واستدعوا طبيبًا مشهور وهو "نشأت عمر بك" ليفحصه وعند الصباح التالي أصر على الاستحمام على غير رغبة الطبيب وعند خروجه منه بدأ يتصبب عرقًا، وأرسل أخوه السلطان محمد رشاد الأطباء ودخلوا عليه وقالوا أنه من الممكن أن هذا نتيجة الإفراط في الطعام في الليلة السابقة. واستدعي ابنه محمد سليم أفندي وأحمد أفندي وقبل دخولهم عليه توفي وكان ذلك في 10 فبراير 1918م يوم الأحد ودفن في مدينة إسطنبول.


 هذا الكتاب هو جزء من كتاب الدولة العثمانية، وتم طبعه ونشره بشكل منفصل،  والمؤرخ والفقيه المحلل، ، ويحدثنا عن الفترات الأخيرة من الحكم العثماني وبالتحديد فترة عبدالحميد الثاني، ويحوي العديد من الحقائق حول موضوع إسقاط الخلافة العثمانية والإطاحة بالسلطان عبدالحمي
فيعرض لنا علي الصلابي نشأة السلطان عبدالحميد الثاني، وجهوده، وآراءه، ويستند على كثير من كتاباته ومذكراته التي كتبها بنفسه، وبعد ذلك فيقدم تحليلًا رائعًا ونظرة ثاقبة للأسباب التي أدت إلى انهيار الدولة العثمانية والممهدات التي سبقت هذا، والوضع الذي كانت عليه الدولة في هذا الوقت، والتحديات التي واجهتها، وكذلك علاقاتها مع الغرب كيف اضطربت وكيف تآمر عليها، والأمور الداخلية مثل الثورات وظهور العلمانيين في داخل الدولة العثمانية وغير ذلك من القضايا الهامة التي توضح لنا ماحدث. 



حجم الكتاب عند التحميل : 17.1 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة السلطان عبد الحميد الثانى وفكرة الجامعة الإسلامية

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل السلطان عبد الحميد الثانى وفكرة الجامعة الإسلامية
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
علي محمد الصلابي - Ali Muhammad AlSallabi

كتب علي محمد الصلابي علي محمد محمد الصلابي (مواليد 1963، بنغازي بليبيا)، فقيه، وكاتب، ومؤرخ، ومحلل سياسي ليبي. له العديد من المؤلفات. شارك بلجنة المراجعة التاريخية وتدقيق النص بمسلسل عمر. وضع علي الصلابي وشقيقه إسماعيل على قوائم الإرهاب في كل من السعودية وليبيا والإمارات ومصر والبحرين. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ عصر الدولتين الأموية والعباسية وظهور فكر الخوارج ❝ ❞ فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شخصيته وعصره ❝ ❞ غزوات الرسول صلي الله عليه وسلم دروس وعبر وفوائد ❝ ❞ الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ❝ ❞ الدولة الفاطمية ❝ ❞ فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح ❝ ❞ دولة الموحدين ❝ ❞ السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث ❝ ❞ معاوية بن أبي سفيان شخصيته وعصره ❝ الناشرين : ❞ دار المعرفة للطباعة والنشر ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ المكتبة العصرية ❝ ❞ دار ابن كثير ❝ ❞ مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار التوزيع والنشر ❝ ❞ مكتبة الصحابة ❝ ❞ دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الكتاب الحديث ❝ ❞ الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع ❝ ❞ مبرة الآل والأصحاب ❝ ❞ دار البيارق ❝ ❱. المزيد..

كتب علي محمد الصلابي