من أعظم أسباب سعادة العبد في الدنيا والآخرة: طمأنينة قلبه وسكينته، والقلب لا يطمئن إلا بالإيمان. والإيمانُ يعني: التصديق بالغيب، والقناعة بأن العالم المشاهد ليس إلا جزءًا يسيرًا من الموجود، واليقين بأن لهذا الوجود بعالميه: عالم الغيب والشهادة، خالقًا ومدبّرًا، هو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم.
وأركان الإيمان الستة المنصوص عليها في السُّنَّة كلُّها غيب؛ ولذا استحق المصدقُ بها وصف الإيمان، وكان منتفعًا بالقرآن، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ﴾ [البقرة: 2 - 3].
والذين لا يؤمنون بالغيب مع قيام الأدلَّة على وجوده ما هم إلا جاهلونَ لأقدار أنفسهم، مستكبرون عن عبادة ربهم، ولو أُظهِر لهم هذا الغيبُ فشاهدوه أو لمسوه فلن يؤمنوا؛ لأن من أنكر الغيب مع تظاهُر الأدلَّة على وُجوده، فذلك دليل على فساد قلبه، واختلال عقله، ولن تنفعه مشاهدة الغيب شيئًا لو شاهده، وقد أخبر الله تعالى عن استكبار هذه الفئة من الناس؛ فقال سبحانه: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 21]، وأخبر سبحانه عنهم بأنهم لو رأوا الغيب مشاهدًا أمامهم لما آمنوا ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾ [الأنعام: 111].
والغيبُ كله - سواءٌ ما كان منه في الماضي أم في الحاضر أم في المستقبل - لا يعلمه إلا الله تعالى ومهما بلغت منزلة المخلوق وعظمته وقوتُه، ومهما كان عنده من الوسائل والأساليب والصناعات فإنه لا يستطيع معرفة الغيب؛ إذ علم الغيب من خصائص الرب جلَّ جلاله.
وأفضل خَلْقٍ خلقه الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وله عند الله تعالى منزلة عظيمة، ومقام محمود، وحوض مورود، ومع ذلك فإنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ ﴾ [النمل: 65]" رواه مسلم[1].
وقد أمره ربه تبارك وتعالى فقال: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 50].
ولما رميت عائشةُ رضي الله عنها بالإفك لم يعلم عليه الصلاة والسلام أهي بريئة أم لا، وعظم عليه الأمر حتى أخبره الله تعالى ببراءتها.
وذبح إبراهيمُ عليه السلام عجله للملائكة ولا علم له بأنهم ملائكة حتى أخبروه وقالوا: ﴿ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [هود: 70]، ولما جاءوا لوطًا عليه السلام لم يعلم أيضًا أنهم ملائكة؛ ولذا ﴿ سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [هود: 77] ولم يعلم خبرهم إلا لما أخبروه فقالوا: ﴿ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ﴾ [هود: 81].
يعتبر الإيمان بالغيب من أهم القضايا الوجودية، التي تناولها الناس في القديم والحديث، وقد صنف فيها أهل الملل والنحل، وكان هو الموضوع الأبرز في جميع الرسائل السماوية، ويعتبر مرتكزًا أساسيًّا لجميع التشريعات الإلهية، ولأهميته جاء هذا الكتاب يخوض في هذه المسألة.
يعتبر الإيمان بالغيب من أهم القضايا الوجودية، التي تناولها الناس في القديم والحديث، وقد صنف فيها أهل الملل والنحل، وكان هو الموضوع الأبرز في جميع الرسائل السماوية، ويعتبر مرتكزًا أساسيًّا لجميع التشريعات الإلهية.
والغيب يقابل الشهادة ولا يقابل المحسوس أو الواقع، فالفرق بين الشهادة والغيب ليس هو الفرقَ بين المحسوس والمعقول، فالغيب ليس مجرد تصورات عقلية، وإنما هو أمور شاخصة موجودة؛ ولكنها مغيبة عنا، فالجنة والنار والملائكة ليست أمورًا معنوية، بل هي حقائق موجودة، وتُعد طبيعة الْخِلْقَةِ البشرية أكبر دليل على وجود الغيب وتأثيره في حياة الناس
قراءة و تحميل كتاب سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب نور الإيمان وظلمات النفاق في ضوء الكتاب والسنة PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب هذا هو الإسلام الذي قالوا عنه (يحتوي الكتاب على سبعين درسا ) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الصحوة الإسلامية بين الإختلاف المشروع و التفرق المذموم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي PDF مجانا