وقد ضرب الخلفاء الراشدون صور رائعة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فنجد أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب يتسابقان في رعاية امرأة ضريرة من عامة الشعب، فعن عمر بن الخطاب قال: "كنت أتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فأسقي لها، وأقوم بأمرها، فكنت إذا جئتها وجدت غيري قد سبقني إليها، فأصلح ما أرادَتْ، فجئتها غير مرَّة كيلا أُسْبَق إليها، فرصدت مَنْ يأتي إليها. فإذا هو بأبي بكر t الذي يأتيها - وهو يومئذ خليفة - فقال عمر: أنت هو لَعَمْرِي".
وبلغت درجة حرص الحكام المسلمين على عامة الشعب مبلغًا عظيمًا، فها هو ذا خليفة المسلمين عمر بن الخطاب t يحرص على سلامة شعبه، ويهتم بهم حتى في ساحة الجهاد، فيكتب إلى النعمان بن مُقَرِّن: "بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى النعمان بن مُقَرِّن، سلام عليك؛ فإنِّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أمَّا بعد؛ فإنه قد بلغني أنَّ جموعًا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند؛ فإذا أتاك كتابي هذا فَسِرْ بأمر الله، وبعون الله، وبنصر الله بمن معك من المسلمين، ولا توطئهم وَعْرًا فتؤذيهم، ولا تمنعهم حقَّهم فتكفِّرهم؛ ولا تدخلنَّهم غيضة، فإنَّ رجلاً من المسلمين أحبُّ إليَّ من مائة ألف دينار، والسلام عليك"
وفي عام الرمادة يشارك الخليفة عمر بن الخطاب شعبه المعاناة والشدة، ويضرب من نفسه القدوة والمثل في هذه الأزمة، فيذكر ابن سعد في الطبقات أن عمر بن الخطاب t أتي بخبز مفتوت بسمن عام الرمادة، فدعا رجلاً بدويًّا، فجعل يأكل معه، فجعل البدوي يتبع باللقمة الوَدَكفي جانب الصحفة، فقال له عمر : كأنك مقفر من الوَدَك. فقال: أجل، ما أكلتُ سمنًا ولا زيتًا، ولا رأيتُ آكلاً له منذ كذا وكذا إلى اليوم. فحلف عمر t لا يذوق لحمًا ولا سمنًا، حتى يُحْيَا الناس أول ما أُحْيُوا.
وقد تأثَّر عمر في عام الرمادة حتى تغير لونه، ولقد كان عمر رجلاً عربيًّا يأكل السمن واللبن، فلمَّا أمحل الناس حَرَّمهما على نفسه؛ ليكون قدوة لغيره من الحكام على مرِّ الزمان؛ فيذكر ابن سعد في طبقاته أن عمر t في زمان الرمادة كان إذا أمسى أُتِيَ بخبز قد سُرِدَ بالزيت، إلى أن نحروا يومًا من الأيام جزورًا فأطعمها الناس، وغرفوا له طَيِّبها، فأُتِيَ به، فإذا قدر من سنام ومن كبد، فقال: أنَّى هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، من الجزور التي نحرنا اليوم. قال: بخ بخ، بئس الوالي أنا إن أكلتُ طيبها، وأطعمت الناس كراديسها، ارفع هذه الجَفْنة، هات لنا غير هذا الطعام. قال: فأُتِيَ بخبز وزيت، فجعل يكسر بيده، ويثرد ذلك الخبز، ثم قال: ويحك يا يرفأ!
احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ[14]، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام، فأحسبهم مقفرين، فضعها بين أيديهم".
احتوى هذا الكتاب على مجموعة من الأسئلة التي طُرحت على الشيخ ابن باز رحمه الله تبين العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكان ختامها نتفا من كلام بعض العلماء حول هذا الموضوع.
قراءة و تحميل كتاب ضوابط معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب العلاقات الدولية في الفكر السياسي الغربي PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (ط. المجمع) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ط. الأوقاف السعودية) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب المخاوف الايرانية من عودة الأحواز إلى الهوية السنية PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد PDF مجانا