كتاب الشهيد ابن الصديق عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهماالكتب والموسوعات العامة

كتاب الشهيد ابن الصديق عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما

صَحابي من الرَّعيل الأول، من السابقين الأوَّلين من المهاجرين، من روَّاد دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذاك الصحابي الجليل، عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما من خير بيوت المسلمين وأعزِّها وأشْرفِها وأتقاها وأنقاها؛ فهو ابن الصديق أول من أَسلَم من الرجال، ابن العتيق[2]، ثاني اثنين في الغار، ابن أبيه وسَميُّه[3]، عَينٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الأعداء في هجرته، كاشف لخطط المُتربِّصين بالرسول - عليه السلام - ووالده، فكان أمينًا على نبي هذه الأمة، الذي دفعتْ قريش الغالي والنفيس من أجل منْعه من الهجرة؛ لكي لا يَنشُر دين الله في الأرض، ورفَضَ المغريات التي أعلنتْها قريش لمن يُحضِر محمدًا حيًّا أو ميِّتًا، وهي مائة ناقة من الإبل، والتي جعلتْ شباب قريش وشيبها يَتسابَقون للحصول على معلومة واحدة تَقودهم لهذا الكنْز العظيم - فرضي الله عنه وأرضاه. نَسبُه وإخوته: هو عبدالله بن عبداللَّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيم بن مُرَّة بن كعْب بن لُؤيّ القرشيُّ التيمي. والده أبو بكر الصديق بن أَبي قحافة، خليفة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وآله وسلّم -[4] ويَلتَقي والده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في النَّسب في الجَد السادس[5]، وأمُّه قُتيلة بنت عبدالعُزَّى[6]، ولقد اختُلف في إسلامها، وهي التي قدِمت على ابنتِها أسماء ذات النطاقين في المدينة المنوَّرة أثناء الهُدنة تَحمِل الهدايا، فأبتْ أسماء أنْ تَستقبِلها حتى أذِن لها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال بعض المُفسِّرين: "إنَّ هذه الحادثة كانت سببًا في نزول قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [الممتحنة: 8]"[7]، وكان أبو بكر قد طلَّقها في الجاهلية[8]. وأخته أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها (ذات النطاقين)، وهي أخته لأمه وأبيه، وأخته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأخوه عبدالرحمن بن أبي بكر من أبيه، فأمهما أم رُومَان بنت عامر بن عُويمر - رضي الله عنها[9] - وأخوه محمد بن أبي بكر من أبيه، وأمُّه - أي: محمد - هي أسماء بنت عميس، وقد تَزوَّجها أبو بكر بعد استشهاد زوجها جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه[10] - وأخته أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنها من زوجته حبيبة بنت خارجة[11]، ولم اطَّلع في كُتُب التاريخ والسير والتراجم على تاريخ يُحدِّد مولدَه - رضي الله عنه. إسلامه: تذكُر كتب التاريخ والسير والتراجم أنَّ إسلام عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما كان قديمًا، دون تحديد للسنة التي أَسلَم فيها، وقولهم: أَسلَم قديمًا، يُستشعر منه أنه كان من الذين أَسلموا في بداية الدعوة والله أعلم، ولم أجد فيما اطَّلعت عليه من كُتُب السيرة والتاريخ أيَّ ذكْر لأحداث وقعتْ مع عبدالله بن أبي بكر في الفترة المكيَّة بعد إسلامه سوى الحديث عن دوره المشهور في حادثة الهجرة النبويَّة الشريفة. دوره في الهجرة النبوية: الهجرة النَّبوية الشريفة علامة فاصِلةٌ في تاريخ الإسلام العظيم؛ لذلك نَجد أنَّ كلَّ من شارَك فيها ولو بَحظٍّ بَسيط قد خلد ذكْره في سجلات التاريخ، وكُتِبت له صفحاتٌ مُشرِقة من المجد، كيف لا؟ وقد كان لهم نصيب في دعم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه، في وقت تَخلَّى عنهم القريب والبعيد، وقد عرَّض كلُّ من قدَّم المساعدة للنبيِّ وصاحبه في هجرتهما نفْسَه للخطر الشديد، فهذه أسماء وهذا عبدالله وهذا عامر بن فهيرة يَتحدَّون قريشًا بِجبروتها وعظمتها، ويُقدِّمون أدوارًا مُختلِفة، كان لها الأثرُ الكبير بعد فضْل الله - تعالى - وقدرته على نبيِّه بالنجاة من أيدي الكَفرة والمجرمين، والانتقال بالدين إلى محضن جديد، وهو المدينة المنورة. عبدالله عين يقظة وأذن واعية: يتلخَّص دور عبدالله بن أبي بكر في الهجرة أثناء وجود النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار - أنَّه كان عينًا لهما على تَحرُّكات قريش في بَحثها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وكان يقوم بدور التسمُّع لما يَدور في مجالس قريش ونواديها، وما يَقولونه حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وما وصَلوا إليه من تطوُّرات، وكان ذلك في النهار، أما في الليل، فكان يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم ووالده في الغار ويُخبرهما بأخبار قريش وما سمِعه ورآه في النهار؛ ممَّا ساعدهما في رسْم الخطة الدقيقة للهجرة، والتحرُّك في الوقت المناسب، دون أنْ يُعرِّضوا نفوسهم للخطر، وهنا يتَّضِح لنا مدى الحسِّ الأمني والحذر الشديدين اللذين كان يَتمتَّع بهما عبدالله؛ فهو مع علْمه بخطورة الأعمال التي قام بها في مكة مِن تسمُّع لأخبار قريش، ورصْد تَحرُّكاتها، ومن ثَمَّ تَوجُّهه ليلاً إلى غار ثور، إلا أنَّه لم يتركْ خلْفه أيَّ خيط يَقود قريشًا إلى مكان اختباء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، خاصة أنَّ العيون قد تُلاحِقه في كلِّ وقت وكلِّ حين؛ علَّها تكشِف ذاك السرَّ الذي أقضَّ مضجع قريش، ألا هو اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وبعد ذلك فهو أَنيس لهما في الغار ليلاً، علاوةً أنَّه كان يُحضِر لهما الطعام ليلاً كما ورد في بعض كتب التاريخ[12]. وقد أورد البخاري - رحمه الله - في صحيحه في حديث عن الهجرة صفاتٍ كريمةً لعبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما تدلُّ على فطْنته وذكائه وتضحيته؛ فقد جاء: "ثم لَحِق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فَكَمَنَا فيه ثلاثَ ليالٍ، يَبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلام شاب، ثَقِف[13] لَقِن[14]، فيُدلِج[15] من عندهما بسَحَر، فيُصبح مع قريش بمكة كبائت[16]، فلا يَسمع أمرًا، يَكتادان[17] به إلا وعاه[18]، حتى يَأتيَهما بِخبَر ذلك حين يَختلِط الظلام"[19]. ومن هنا يتَّضِح لنا جملةٌ من الصفات الكريمة التي تَجلَّت في شخص عبدالله بن أبي بكر، وهي الذكاء والفطنة؛ ممَّا ساعده في إنجاز مهمَّاته تُجاه النبي صلى الله عليه وسلم ووالده على أكمل وجه، دون تعريضهما للخطر بكشف مكانهما، وكذلك سرعة الفَهَم والبداهة، التي أهَّلته أن يكون جُنديًّا صالِحًا في صفوف الحقِّ، ولا شكَّ أنَّ صفة الجرأة كذلك من الصفات التي تَجلِّت في شخص عبدالله؛ فهو يَذهب إلى ذلك الغار الموحِش ليلاً، ويعود ليلاً وحيدًا، وتَقودنا هذه الصفة إلى صفة أخرى، وهي القوة الجسديَّة، والتي أهَّلته أنْ يَعتلي جبل ثور[20]، الذي يُنسَب إليه غار ثور على الأقل ست مرات خلال ثلاث ليالٍ، وهي الفترة التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار قبل إتمام مشوار الهجرة إلى المدينة المنوَّرة، وصفة أخرى هي صفة الخداع للأعداء، وهي عن طريق إيهامهم بوجوده ومَبيته في مكة، مع أنَّه قضى ليله في الغار، وهذه الصفات مُجتمِعة، بجانب الإيمان والتقوى، وحبِّ الله ورسوله، والاستعداد للتضحية - جعلتْ من عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما جنديًّا مُخلِصًا من جنود الدَّعوة، التي يَبتغي رجالُها رضوانَ الله - تعالى - وحبَّه، والسعي إلى ثوابه.
نضال عباس دويكات - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ محمد بن أبي بكر الصديق حياته وأحواله زمن الفتنة ❝ ❞ قصة موسى عليه السلام مع فرعون بين القرآن والتوراة - دراسة مقارنة (ماجستير) ❝ ❞ الشهيد ابن الصديق عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما ❝ الناشرين : ❞ جامعة النجاح الوطنية ❝ ❱
من كتب السير و المذكرات التراجم والأعلام - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.

وصف الكتاب : صَحابي من الرَّعيل الأول، من السابقين الأوَّلين من المهاجرين، من روَّاد دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذاك الصحابي الجليل، عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما من خير بيوت المسلمين وأعزِّها وأشْرفِها وأتقاها وأنقاها؛ فهو ابن الصديق أول من أَسلَم من الرجال، ابن العتيق[2]، ثاني اثنين في الغار، ابن أبيه وسَميُّه[3]، عَينٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الأعداء في هجرته، كاشف لخطط المُتربِّصين بالرسول - عليه السلام - ووالده، فكان أمينًا على نبي هذه الأمة، الذي دفعتْ قريش الغالي والنفيس من أجل منْعه من الهجرة؛ لكي لا يَنشُر دين الله في الأرض، ورفَضَ المغريات التي أعلنتْها قريش لمن يُحضِر محمدًا حيًّا أو ميِّتًا، وهي مائة ناقة من الإبل، والتي جعلتْ شباب قريش وشيبها يَتسابَقون للحصول على معلومة واحدة تَقودهم لهذا الكنْز العظيم - فرضي الله عنه وأرضاه.

نَسبُه وإخوته: هو عبدالله بن عبداللَّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيم بن مُرَّة بن كعْب بن لُؤيّ القرشيُّ التيمي.

والده أبو بكر الصديق بن أَبي قحافة، خليفة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وآله وسلّم -[4] ويَلتَقي والده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في النَّسب في الجَد السادس[5]، وأمُّه قُتيلة بنت عبدالعُزَّى[6]، ولقد اختُلف في إسلامها، وهي التي قدِمت على ابنتِها أسماء ذات النطاقين في المدينة المنوَّرة أثناء الهُدنة تَحمِل الهدايا، فأبتْ أسماء أنْ تَستقبِلها حتى أذِن لها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال بعض المُفسِّرين: "إنَّ هذه الحادثة كانت سببًا في نزول قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [الممتحنة: 8]"[7]، وكان أبو بكر قد طلَّقها في الجاهلية[8].

وأخته أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها (ذات النطاقين)، وهي أخته لأمه وأبيه، وأخته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأخوه عبدالرحمن بن أبي بكر من أبيه، فأمهما أم رُومَان بنت عامر بن عُويمر - رضي الله عنها[9] - وأخوه محمد بن أبي بكر من أبيه، وأمُّه - أي: محمد - هي أسماء بنت عميس، وقد تَزوَّجها أبو بكر بعد استشهاد زوجها جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه[10] - وأخته أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنها من زوجته حبيبة بنت خارجة[11]، ولم اطَّلع في كُتُب التاريخ والسير والتراجم على تاريخ يُحدِّد مولدَه - رضي الله عنه.

إسلامه: تذكُر كتب التاريخ والسير والتراجم أنَّ إسلام عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما كان قديمًا، دون تحديد للسنة التي أَسلَم فيها، وقولهم: أَسلَم قديمًا، يُستشعر منه أنه كان من الذين أَسلموا في بداية الدعوة والله أعلم، ولم أجد فيما اطَّلعت عليه من كُتُب السيرة والتاريخ أيَّ ذكْر لأحداث وقعتْ مع عبدالله بن أبي بكر في الفترة المكيَّة بعد إسلامه سوى الحديث عن دوره المشهور في حادثة الهجرة النبويَّة الشريفة.

دوره في الهجرة النبوية:
الهجرة النَّبوية الشريفة علامة فاصِلةٌ في تاريخ الإسلام العظيم؛ لذلك نَجد أنَّ كلَّ من شارَك فيها ولو بَحظٍّ بَسيط قد خلد ذكْره في سجلات التاريخ، وكُتِبت له صفحاتٌ مُشرِقة من المجد، كيف لا؟ وقد كان لهم نصيب في دعم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه، في وقت تَخلَّى عنهم القريب والبعيد، وقد عرَّض كلُّ من قدَّم المساعدة للنبيِّ وصاحبه في هجرتهما نفْسَه للخطر الشديد، فهذه أسماء وهذا عبدالله وهذا عامر بن فهيرة يَتحدَّون قريشًا بِجبروتها وعظمتها، ويُقدِّمون أدوارًا مُختلِفة، كان لها الأثرُ الكبير بعد فضْل الله - تعالى - وقدرته على نبيِّه بالنجاة من أيدي الكَفرة والمجرمين، والانتقال بالدين إلى محضن جديد، وهو المدينة المنورة.

عبدالله عين يقظة وأذن واعية:
يتلخَّص دور عبدالله بن أبي بكر في الهجرة أثناء وجود النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار - أنَّه كان عينًا لهما على تَحرُّكات قريش في بَحثها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وكان يقوم بدور التسمُّع لما يَدور في مجالس قريش ونواديها، وما يَقولونه حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وما وصَلوا إليه من تطوُّرات، وكان ذلك في النهار، أما في الليل، فكان يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم ووالده في الغار ويُخبرهما بأخبار قريش وما سمِعه ورآه في النهار؛ ممَّا ساعدهما في رسْم الخطة الدقيقة للهجرة، والتحرُّك في الوقت المناسب، دون أنْ يُعرِّضوا نفوسهم للخطر، وهنا يتَّضِح لنا مدى الحسِّ الأمني والحذر الشديدين اللذين كان يَتمتَّع بهما عبدالله؛ فهو مع علْمه بخطورة الأعمال التي قام بها في مكة مِن تسمُّع لأخبار قريش، ورصْد تَحرُّكاتها، ومن ثَمَّ تَوجُّهه ليلاً إلى غار ثور، إلا أنَّه لم يتركْ خلْفه أيَّ خيط يَقود قريشًا إلى مكان اختباء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، خاصة أنَّ العيون قد تُلاحِقه في كلِّ وقت وكلِّ حين؛ علَّها تكشِف ذاك السرَّ الذي أقضَّ مضجع قريش، ألا هو اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وبعد ذلك فهو أَنيس لهما في الغار ليلاً، علاوةً أنَّه كان يُحضِر لهما الطعام ليلاً كما ورد في بعض كتب التاريخ[12].

وقد أورد البخاري - رحمه الله - في صحيحه في حديث عن الهجرة صفاتٍ كريمةً لعبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما تدلُّ على فطْنته وذكائه وتضحيته؛ فقد جاء: "ثم لَحِق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فَكَمَنَا فيه ثلاثَ ليالٍ، يَبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلام شاب، ثَقِف[13] لَقِن[14]، فيُدلِج[15] من عندهما بسَحَر، فيُصبح مع قريش بمكة كبائت[16]، فلا يَسمع أمرًا، يَكتادان[17] به إلا وعاه[18]، حتى يَأتيَهما بِخبَر ذلك حين يَختلِط الظلام"[19].

ومن هنا يتَّضِح لنا جملةٌ من الصفات الكريمة التي تَجلَّت في شخص عبدالله بن أبي بكر، وهي الذكاء والفطنة؛ ممَّا ساعده في إنجاز مهمَّاته تُجاه النبي صلى الله عليه وسلم ووالده على أكمل وجه، دون تعريضهما للخطر بكشف مكانهما، وكذلك سرعة الفَهَم والبداهة، التي أهَّلته أن يكون جُنديًّا صالِحًا في صفوف الحقِّ، ولا شكَّ أنَّ صفة الجرأة كذلك من الصفات التي تَجلِّت في شخص عبدالله؛ فهو يَذهب إلى ذلك الغار الموحِش ليلاً، ويعود ليلاً وحيدًا، وتَقودنا هذه الصفة إلى صفة أخرى، وهي القوة الجسديَّة، والتي أهَّلته أنْ يَعتلي جبل ثور[20]، الذي يُنسَب إليه غار ثور على الأقل ست مرات خلال ثلاث ليالٍ، وهي الفترة التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار قبل إتمام مشوار الهجرة إلى المدينة المنوَّرة، وصفة أخرى هي صفة الخداع للأعداء، وهي عن طريق إيهامهم بوجوده ومَبيته في مكة، مع أنَّه قضى ليله في الغار، وهذه الصفات مُجتمِعة، بجانب الإيمان والتقوى، وحبِّ الله ورسوله، والاستعداد للتضحية - جعلتْ من عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما جنديًّا مُخلِصًا من جنود الدَّعوة، التي يَبتغي رجالُها رضوانَ الله - تعالى - وحبَّه، والسعي إلى ثوابه.

للكاتب/المؤلف : نضال عباس دويكات .
دار النشر : .
سنة النشر : 2012م / 1433هـ .
عدد مرات التحميل : 5308 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأحد , 24 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 24 كيلوبايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

الشهيد ابن الصديق عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما

عاتكة زوجة عبد الله بن ابي بكر

دور عبدالله بن ابي بكر في الهجرة

دور عبد الله بن اريقط فى الهجرة

ما دور عبد الله بن اريقط في الهجره

صَحابي من الرَّعيل الأول، من السابقين الأوَّلين من المهاجرين، من روَّاد دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذاك الصحابي الجليل، عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما من خير بيوت المسلمين وأعزِّها وأشْرفِها وأتقاها وأنقاها؛ فهو ابن الصديق أول من أَسلَم من الرجال، ابن العتيق[2]، ثاني اثنين في الغار، ابن أبيه وسَميُّه[3]، عَينٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الأعداء في هجرته، كاشف لخطط المُتربِّصين بالرسول - عليه السلام - ووالده، فكان أمينًا على نبي هذه الأمة، الذي دفعتْ قريش الغالي والنفيس من أجل منْعه من الهجرة؛ لكي لا يَنشُر دين الله في الأرض، ورفَضَ المغريات التي أعلنتْها قريش لمن يُحضِر محمدًا حيًّا أو ميِّتًا، وهي مائة ناقة من الإبل، والتي جعلتْ شباب قريش وشيبها يَتسابَقون للحصول على معلومة واحدة تَقودهم لهذا الكنْز العظيم - فرضي الله عنه وأرضاه.

نَسبُه وإخوته: هو عبدالله بن عبداللَّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيم بن مُرَّة بن كعْب بن لُؤيّ القرشيُّ التيمي.

 والده أبو بكر الصديق بن أَبي قحافة، خليفة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وآله وسلّم -[4] ويَلتَقي والده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في النَّسب في الجَد السادس[5]، وأمُّه قُتيلة بنت عبدالعُزَّى[6]، ولقد اختُلف في إسلامها، وهي التي قدِمت على ابنتِها أسماء ذات النطاقين في المدينة المنوَّرة أثناء الهُدنة تَحمِل الهدايا، فأبتْ أسماء أنْ تَستقبِلها حتى أذِن لها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال بعض المُفسِّرين: "إنَّ هذه الحادثة كانت سببًا في نزول قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [الممتحنة: 8]"[7]، وكان أبو بكر قد طلَّقها في الجاهلية[8].

وأخته أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها (ذات النطاقين)، وهي أخته لأمه وأبيه، وأخته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأخوه عبدالرحمن بن أبي بكر من أبيه، فأمهما أم رُومَان بنت عامر بن عُويمر - رضي الله عنها[9] - وأخوه محمد بن أبي بكر من أبيه، وأمُّه - أي: محمد - هي أسماء بنت عميس، وقد تَزوَّجها أبو بكر بعد استشهاد زوجها جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه[10] - وأخته أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنها من زوجته حبيبة بنت خارجة[11]، ولم اطَّلع في كُتُب التاريخ والسير والتراجم على تاريخ يُحدِّد مولدَه - رضي الله عنه.

إسلامه: تذكُر كتب التاريخ والسير والتراجم أنَّ إسلام عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما كان قديمًا، دون تحديد للسنة التي أَسلَم فيها، وقولهم: أَسلَم قديمًا، يُستشعر منه أنه كان من الذين أَسلموا في بداية الدعوة والله أعلم، ولم أجد فيما اطَّلعت عليه من كُتُب السيرة والتاريخ أيَّ ذكْر لأحداث وقعتْ مع عبدالله بن أبي بكر في الفترة المكيَّة بعد إسلامه سوى الحديث عن دوره المشهور في حادثة الهجرة النبويَّة الشريفة.

دوره في الهجرة النبوية:
الهجرة النَّبوية الشريفة علامة فاصِلةٌ في تاريخ الإسلام العظيم؛ لذلك نَجد أنَّ كلَّ من شارَك فيها ولو بَحظٍّ بَسيط قد خلد ذكْره في سجلات التاريخ، وكُتِبت له صفحاتٌ مُشرِقة من المجد، كيف لا؟ وقد كان لهم نصيب في دعم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه، في وقت تَخلَّى عنهم القريب والبعيد، وقد عرَّض كلُّ من قدَّم المساعدة للنبيِّ وصاحبه في هجرتهما نفْسَه للخطر الشديد، فهذه أسماء وهذا عبدالله وهذا عامر بن فهيرة يَتحدَّون قريشًا بِجبروتها وعظمتها، ويُقدِّمون أدوارًا مُختلِفة، كان لها الأثرُ الكبير بعد فضْل الله - تعالى - وقدرته على نبيِّه بالنجاة من أيدي الكَفرة والمجرمين، والانتقال بالدين إلى محضن جديد، وهو المدينة المنورة.

عبدالله عين يقظة وأذن واعية:
يتلخَّص دور عبدالله بن أبي بكر في الهجرة أثناء وجود النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار - أنَّه كان عينًا لهما على تَحرُّكات قريش في بَحثها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وكان يقوم بدور التسمُّع لما يَدور في مجالس قريش ونواديها، وما يَقولونه حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وما وصَلوا إليه من تطوُّرات، وكان ذلك في النهار، أما في الليل، فكان يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم ووالده في الغار ويُخبرهما بأخبار قريش وما سمِعه ورآه في النهار؛ ممَّا ساعدهما في رسْم الخطة الدقيقة للهجرة، والتحرُّك في الوقت المناسب، دون أنْ يُعرِّضوا نفوسهم للخطر، وهنا يتَّضِح لنا مدى الحسِّ الأمني والحذر الشديدين اللذين كان يَتمتَّع بهما عبدالله؛ فهو مع علْمه بخطورة الأعمال التي قام بها في مكة مِن تسمُّع لأخبار قريش، ورصْد تَحرُّكاتها، ومن ثَمَّ تَوجُّهه ليلاً إلى غار ثور، إلا أنَّه لم يتركْ خلْفه أيَّ خيط يَقود قريشًا إلى مكان اختباء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، خاصة أنَّ العيون قد تُلاحِقه في كلِّ وقت وكلِّ حين؛ علَّها تكشِف ذاك السرَّ الذي أقضَّ مضجع قريش، ألا هو اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وبعد ذلك فهو أَنيس لهما في الغار ليلاً، علاوةً أنَّه كان يُحضِر لهما الطعام ليلاً كما ورد في بعض كتب التاريخ[12].

وقد أورد البخاري - رحمه الله - في صحيحه في حديث عن الهجرة صفاتٍ كريمةً لعبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما تدلُّ على فطْنته وذكائه وتضحيته؛ فقد جاء: "ثم لَحِق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فَكَمَنَا فيه ثلاثَ ليالٍ، يَبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلام شاب، ثَقِف[13] لَقِن[14]، فيُدلِج[15] من عندهما بسَحَر، فيُصبح مع قريش بمكة كبائت[16]، فلا يَسمع أمرًا، يَكتادان[17] به إلا وعاه[18]، حتى يَأتيَهما بِخبَر ذلك حين يَختلِط الظلام"[19].

ومن هنا يتَّضِح لنا جملةٌ من الصفات الكريمة التي تَجلَّت في شخص عبدالله بن أبي بكر، وهي الذكاء والفطنة؛ ممَّا ساعده في إنجاز مهمَّاته تُجاه النبي صلى الله عليه وسلم ووالده على أكمل وجه، دون تعريضهما للخطر بكشف مكانهما، وكذلك سرعة الفَهَم والبداهة، التي أهَّلته أن يكون جُنديًّا صالِحًا في صفوف الحقِّ، ولا شكَّ أنَّ صفة الجرأة كذلك من الصفات التي تَجلِّت في شخص عبدالله؛ فهو يَذهب إلى ذلك الغار الموحِش ليلاً، ويعود ليلاً وحيدًا، وتَقودنا هذه الصفة إلى صفة أخرى، وهي القوة الجسديَّة، والتي أهَّلته أنْ يَعتلي جبل ثور[20]، الذي يُنسَب إليه غار ثور على الأقل ست مرات خلال ثلاث ليالٍ، وهي الفترة التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار قبل إتمام مشوار الهجرة إلى المدينة المنوَّرة، وصفة أخرى هي صفة الخداع للأعداء، وهي عن طريق إيهامهم بوجوده ومَبيته في مكة، مع أنَّه قضى ليله في الغار، وهذه الصفات مُجتمِعة، بجانب الإيمان والتقوى، وحبِّ الله ورسوله، والاستعداد للتضحية - جعلتْ من عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما جنديًّا مُخلِصًا من جنود الدَّعوة، التي يَبتغي رجالُها رضوانَ الله - تعالى - وحبَّه، والسعي إلى ثوابه.
 



نوع الكتاب : doc.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الشهيد ابن الصديق عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما
نضال عباس دويكات
نضال عباس دويكات
NDAL ABAS DOIKAT
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ محمد بن أبي بكر الصديق حياته وأحواله زمن الفتنة ❝ ❞ قصة موسى عليه السلام مع فرعون بين القرآن والتوراة - دراسة مقارنة (ماجستير) ❝ ❞ الشهيد ابن الصديق عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما ❝ الناشرين : ❞ جامعة النجاح الوطنية ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب السير و المذكرات

أقدم لك كافك PDF

قراءة و تحميل كتاب أقدم لك كافك PDF مجانا

شاهد على العصر . أحمد أبوصالح PDF

قراءة و تحميل كتاب شاهد على العصر . أحمد أبوصالح PDF مجانا

مصطفى كامل سيرته وأعمال من خطب وأحاديث ورسائل الأجزاء من الرابع إلى السادس PDF

قراءة و تحميل كتاب مصطفى كامل سيرته وأعمال من خطب وأحاديث ورسائل الأجزاء من الرابع إلى السادس PDF مجانا

توفيق الحكيم PDF

قراءة و تحميل كتاب توفيق الحكيم PDF مجانا

توفيق الحكيم PDF

قراءة و تحميل كتاب توفيق الحكيم PDF مجانا

توفيق الحكيم PDF

قراءة و تحميل كتاب توفيق الحكيم PDF مجانا

مذكرات بحار قراءة فى ثنائيات معاصرة PDF

قراءة و تحميل كتاب مذكرات بحار قراءة فى ثنائيات معاصرة PDF مجانا

أمنا عائشة ملكة الطهر PDF

قراءة و تحميل كتاب أمنا عائشة ملكة الطهر PDF مجانا

المزيد من فكر وثقافة في مكتبة فكر وثقافة , المزيد من كتب متنوعة في مكتبة كتب متنوعة , المزيد من كتب الأدب في مكتبة كتب الأدب , المزيد من كتب الجغرافيا والرحلات في مكتبة كتب الجغرافيا والرحلات , المزيد من كتب الأدب في مكتبة كتب الأدب , المزيد من كتب السير و المذكرات في مكتبة كتب السير و المذكرات , المزيد من كتب السياسة الشرعية في مكتبة كتب السياسة الشرعية , المزيد من كتب الأنساب في مكتبة كتب الأنساب , المزيد من كتب الادب والتراث في مكتبة كتب الادب والتراث
عرض كل الكتب والموسوعات العامة ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..