كتاب أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوكالكتب والموسوعات العامة

كتاب أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوك

صاحبت الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي رحمه الله مدة طويلة من حياتي وترجمت له بالاشتراك ترجمة مستفيضة، وحققت بعض كتبه، ويسر الله لي الوقوف على بعض كتبه التي لم تنشر بعد. يعد الماوردي من الفقهاء الذين لهم إسهامات متميزة في الفكر السياسي الإسلامي، وترك تراثًا موثوقًا نسبته إليه: "الأحكام السلطانية والولايات الدينية"، "قوانين الوزارة"، "تسهيل النظر وتعجيل الظفر"، "أدب الدنيا والدين". لم يشر المترجمون القدامى إلى كتاب "نصيحة الملوك" في عداد مؤلفاته، وأول من أشار إليه فيما - أحاط به علمي - حاجي خليفة صاحب كشف الظنون ثم تبعه بروكلمان، فجورجي زيدان، ومصطفى السقا، والزركلي وتابعهم في هذا عدد من الباحثين المعاصرين. وقد قمت بتحقيق كتاب "نصيحة الملوك" منذ مدة بعيدة التاريخ معتمدًا في توثيق الكتاب على مؤلفات الماوردي، ثم تبين لي اختلاف الأحكام المدونة فيه عن الثابت في كتب الماوردي الموثوق نسبتها إليه، مما حدا بي إلى الشك في نسبة الكتاب إليه، وحفزني إلى البحث والتأمل العميق لجلاء الحقيقة من خلال الأفكار الواردة في كتاب "نصيحة الملوك" هل هي للماوردي حقًا، ومدى اتفاقها أو اختلافها مع ما ورد في كتبه السياسية الأخرى، ذلك أن التحقق من نسبة الكتب إلى مؤلفيها من أهم أعمال المحققين الباحثين لما تنطوي عليه من أبعاد فكرية وعقدية تعكس آثارها ونتائجها على شخصية مؤلفيها، والأمانة العلمية تقضي جمع الأدلة إثباتًا ونفيًا، ثم فحصها فحصًا موضوعًا دقيقًا حتى لا ينسب الكتاب لغير صاحبه فيهضم حقه، ولا يدعى عليه بغير فكره ومعتقده فيصنف في غير بني ملته ومذهبه، وفى ضوء هذه المبادئ. اقتضى البحث أن تنتظم موضوعاته في فصلين: الأول: عرض أدلة الرأي القائل بأن كتاب "نصيحة الملوك" للماوردي. الثاني: الشك في نسبة "نصيحة الملوك" للماوردي، معتمدًا على مقارنة بين "نصيحة الملوك" وكتب الماوردي في أحكام السياسة الشرعية. يتقدمهما فصل تمهيدي موجز عن معالم حياة الإمام الماوردي، وأهم مؤلفاته التي سيعتمد عليها في البحث والدراسة، ومنهجه في كتبه السياسية خاصة. تنتهي الدراسة بخاتمة نعرض فيها أهم نتائج البحث. وحري بالإشارة أن البحث استمر فترة زمنية اعتمد فيها الباحث على بعض المخطوطات والرسائل العلمية، ثم طبعت بعضها، وتبين للباحث اختلاف بين المخطوط والمطبوع، فآثر أن يشير إلى جانب المخطوط أو الرسالة، انظر المطبوع مع بيان الجزء والصفحة. فصل تمهيدي معالم حياة الماوردي، وآثاره الفقهية والسياسية، ومنهجه ينقسم هذا الفصل إلى المباحث التالية: المبحث الأول: معالم حياة الماوردي. المبحث الثاني: آثار الماوردي الفقهية والسياسية. المبحث الثالث: منهج الماوردي في كتبه السياسية. المبحث الأول: معالم حياة الماوردي هو علي بن محمد الماوردي، يكنى أبا الحسن، واشتهر بالماوردي، والماوردي نسبة إلى صناعة ماء الورد وبيعه والذي اشتهرت به أسرته. ولد الماوردي بالبصرة سنة 364 هـ. تفقه على يد عالمها أبي القاسم الصيمري، المتوفى 386 هـ، ثم ارتحل بعد وفاته إلى بغداد - مركز العلم والمعرفة في عصره- ودرس على إمامها الكبير أبي حامد الأسفرايني المتوفى 406 هـ، وصار من أخص تلاميذه. درس اللغة والأدب على الإمام أبي محمد اليافي، المتوفى 398 هـ، وكان من ألعم أهل زمانه بالنحو والأدب، فصيح اللسان، بليغ الكلام، حسن المحاضرة، وقد تأثر به الماوردي واستفاد منه كثيرًا. الماوردي فقيه شافعي مجتهد، لم يثبت تحوله إلى مذهب آخر في أي مرحلة من مراحل حياته واشتغل بالتدريس والتصنيف في المذهب الشافعي، وتولى القضاء وتدرج فيه حتى وصل إلى منصب أقضى القضاة في سنة 429 هـ، وانتهت إليه زعامة الشافعية في عصره. أسلوبه في التأليف يتميز بالوضوح، ينتقي ألفاظه ومعانيه ويؤلف بينهما في تطابق تام. اشتهر بخلقه الرفيع وحسن المعاملة. عمر طويلًا، فعاش ستًا وثمانين سنة، وتوفى سنة 450 هـ، ودفن ببغداد. المبحث الثاني: كتب الماوردي الفقهية والسياسية ألف الماوردي - يرحمه الله تعالى - مؤلفات عديدة في علوم مختلفة، واعتنى بالفقه عناية لائقة. ومن كتبه الفقهية: الإقناع، والأحكام السلطانية، والحاوي، وقوانين الوزارة، تسهيل النظر وتعجيل الظفر، هذه الكتب نسبتها إليه ثابتة، كما صرحت بها مصادر التراجم وطبقات الشافعية. تمثل هذا الكتاب آراء الماوردي واجتهاداته الفقهية، يحسن التعريف، في إيجاز: الإقناع: قدم الماوردي بتأليف كتاب "الإقناع" بناء على طلب الخليفة القادر بالله، المتوفى 422 هـ، حيث طلب من كبار علماء المذاهب الأربعة أن يؤلف كل منهم مختصرًا في مذهبه. فألف الماوردي "الإقناع" في أربعين ورقة مختصرًا فيه الفقه الشافعي مع بعض اجتهاداته الخاصة[10]، وقد أثنى عليه الخليفة القادر بقوله: "حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا" "والإقناع" يشتمل على الأحكام الفقهية مجردة من الدليل، وكان موضع ثقة العلماء وتقديرهم. حفظ الله لنا نسخة مخطوطة منه بمكتبة الأوقاف بحلب (ضمت لمكتبة الأسد حاليًا)، وقد تبين من دراستها ومقابلتها وجود سقط في بعض أجزاء منها. الأحكام السلطانية: ألف الماوردي كتاب "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" بناء على طلب خليفة عصره، وببدو أنه الخليفة القادر بالله، المتوفى422 هـ. كانت هذه الأحكام- على حد تعبير الماوردي- "ممتزجة بالأحكام وكان يقطعهم عن تصفحها تشاغلهم بالسياسة والتدبير"، فأفرد لها الماوردي هذا الكتاب "متمثلًا أمر من لزمت طاعته". الكتاب يتضمن أصول التنظيم السياسي والإداري والمالي والحربي والاجتماعي للدولة الإسلامية في عصر الماوردي، وقد اعتمد فيه الماوردي على الأدلة من الكتاب والسنة، وبين مذاهب الأئمة كأبي حنيفة ومالك، لم يتعرض للمذهب الحنبلي، لعله يرى أن الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- محدث أكثر منه فقيه، وربما كان هذا أحد الأسباب القوية التي دفعت بالفقيه الحنبلي أبي يعلى الفراء (المتوفى 458 هـ)، إلى كتابة "الأحكام السلطانية"، مبينًا رأى الإمام أحمد ليكون تحت بصر خليفة عصره كي يتسنى للإمام معرفة ماله منها فيستوفيه، وما عليه فيوفيه، وصولًا إلى العدل في القضاء والتنفيذ، وتحريًا للنصفة في أخذه وعطائه. الحاوي: الحاوي هو شرح مختصر المزني، قال الماوردي في مقدمته: "لَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى مُخْتَصَرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ، لِانْتِشَارِ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ عَنْ فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ، وَاسْتِطَالَةِ مُرَاجَعَتِهَا عَلَى الْعَالِمِ حَتَّى جَعَلُوا الْمُخْتَصَرَ أَصْلًا يُمْكِنُهُمْ تَقْرِيبُهُ عَلَى الْمُبْتَدِي، وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْمُنْتَهِي، وَجَبَ صَرْفُ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ وَإِيقَاعُ الِاهْتِمَامِ بِهِ. وَلَمَّا صَارَ مُخْتَصَرُ الْمُزَنِيِّ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لَزِمَ اسْتِيعَابُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِهِ وَاسْتِيفَاءُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ الْمُغْلَقِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ مُقْتَضَى الشَّرْحِ الَّذِي يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى إِبَانَةِ الْمَشْرُوحِ لِيَصِحَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَدِ اعْتَمَدْتُ بِكِتَابِي هَذَا شَرْحَهُ عَلَى أَعْدَلِ شُرُوحِهِ وَتَرْجَمْتُهُ بِـ "الْحَاوِي" رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ حَاوِيًا لِمَا أُوجِبُهُ بِقَدْرِ الْحَالِ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيعَابِ فِي أَوْضَحِ تَقْدِيمٍ وَأَصَحِّ تَرْتِيبٍ وَأَسْهَلِ مَأْخَذٍ". ويقع الكتاب على حد قول الماوردي في أربعة آلاف ورقة، وقد طبع أخيرًا في تسع عشرة مجلدة. بسط الماوردي فيه الفقه الشافعي، عارضًا فيه فقه الصحابة والتابعين، وفقه أئمة المذاهب - عدا المذهب الحنبلي- مع بيان الأدلة والترجيح بينها. ويتضمن كافة موضوعات الفقه الإسلامي بدءً بكتاب الطهارة، وانتهاء بكتاب العتق، قال عنه ابن خلكان: "لم يطالعه أحد إلا شهد له بالتبحر، والمعرفة التامة في المذهب". قوانين الوزارة: يتضمن القوانين التي تحكم الوزارة والوزراء، وكيف يساس بها الملك، وبين فيه طبيعة منصب الوزير، وأنه سائس للرعية، ومسوس بالحاكم الأعلى، يحدد المبادئ التي على الوزراء الالتزام بها: إعزاز الدين، تحقيق العدل في الرعية، تولية الأكفاء الأمناء، الهيبة والصدق في القول، والإخلاص في العمل. عرض لأقسام الوزارة: وزارة التفويض، ووزارة التنفيذ، وبين الشروط والحقوق التي في كل منهما. تناول موضوع تقليد الوزير وعزله، ويعد الماوردي هو من أوائل من كتب في مسألة العزل من الوزارة. ويختم الماوردي كتابه بنصائح للوزير: تتمثل في مراعاة الوزير لحق الله عليه، وحق الحاكم الأعلى (رئيس الدولة) والشعب، وأن يسلك طريق الشورى، ويلبي حاجات الناس، وأن يكون متواضعًا رحيمًا، وان يتقي دعوة المظلوم بتحقيق العدل بين الناس. تسهيل النظر وتعجيل الظفر: يتضمن الكتاب موضوعين مهمين: الأول: الكلام في أصول الأخلاق من الناحية النظرية، وبهذا يبدو الماوردي فيلسوفًا يحتل مكانة بن فلاسفة عصره كابن سينا وابن مسكويه. والثاني: في سياسة الملك وقواعده، وهذا القسم يهمنا في الجانب السياسي. حقق الكتاب محيي هلال السرحان، وقدم له وراجعه الدكتور حسن الساعاتي. كما حققه - بعد ذلك- الدكتور رضوان السيد. دور السلوك في سياسة الملوك: مخطوط باستانبول بمكتبة أيا صوفيا برقم 2870، وقفت عليه عند زيارتي لتركيا منذ عدة أعوام، والكتاب قدمه الماوردي لبهاء الدولة ابن بويه، أبي النصر، أحمد بن عضد الدولة بن بويه، المتوفى 403 هـ. قسمه إلى بابين: الباب الأول: في أخلاق الملك الباب الثاني: في سياسة الملك. أشار إليه ابن خلكان، والسبكي، وطاش كبرى زاده، وحاجي خليفة، والصفدي بعنوان "سياسة الملك". وأكاد أجزم أن هذا الكتاب هو الإبرازة الأولى لـ"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" مع إضافات كثيرة في تسهيل النظر، وتجريده من الإهداء بعد تقويم تجربة بهاء الدولة في الحكم بعد وفاته، ولعل هذا هو السبب في تغيير عنوانه. المبحث الثالث: منهج الماوردي في كتبه السياسية ترك لنا الماوردي من الكتب السياسية المتحقق نسبتها إليه: "الأحكام السلطانية" و"قوانين الوزارة" و"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" ومن الظواهر في "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" أنه اعتمد لبيان الأحكام الفقهية على الكتاب والسنة وقد خلا من الاستشهاد بالشعر إلا نادرًا كما خلا من الحكم والأمثال. يندرج هذا الكتاب في الكتب التي تمثل أصالة الفقه الإسلامي، وبعده عن التبعية الفارسية أو التأثر بالفلسفة اليونانية. يعد كتاب "قوانين الوزارة" و"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" في القسم الثاني منه الخاص بسياسة الملك، من كتب "مرايا الحكام والأمراء" وتقوم على التوجيه والإرشاد ومن الطبيعي أن يكثر الاستشهاد في هذا اللون بالأشعار والأمثال والحكم. أما القسم الأول من "تسهيل النظر وتعجيل الظفر" في أخلاق الملك، فقد اعتمد فيه على تقسيمات الفلسفة اليونانية للأخلاق مع محاولة التوفيق مع نصوص الكتاب والسنة.
فؤاد عبد المنعم أحمد - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوك ❝ ❞ البصمة الوراثية في الإثبات الجنائي بين الشريعة والقانون ❝ ❞ ابن خلدون ورسالته للقضاة مزيل الملام عن حكام الأنام ❝ ❞ الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة (فؤاد عبد المنعم) ❝ ❞ الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة ❝ ❞ أبو الحسن الماوردي و نصيحة الملوك ❝ الناشرين : ❞ مؤسسة شباب الجامعة ❝ ❞ دار الوطن ❝ ❞ المكتبة المصرية ❝ ❱
من كتب السياسة الشرعية كتب إسلامية متنوعة - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.

وصف الكتاب : صاحبت الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي رحمه الله مدة طويلة من حياتي وترجمت له بالاشتراك ترجمة مستفيضة، وحققت بعض كتبه، ويسر الله لي الوقوف على بعض كتبه التي لم تنشر بعد.

يعد الماوردي من الفقهاء الذين لهم إسهامات متميزة في الفكر السياسي الإسلامي، وترك تراثًا موثوقًا نسبته إليه:

"الأحكام السلطانية والولايات الدينية"، "قوانين الوزارة"، "تسهيل النظر وتعجيل الظفر"، "أدب الدنيا والدين".

لم يشر المترجمون القدامى إلى كتاب "نصيحة الملوك" في عداد مؤلفاته، وأول من أشار إليه فيما - أحاط به علمي - حاجي خليفة صاحب كشف الظنون ثم تبعه بروكلمان، فجورجي زيدان، ومصطفى السقا، والزركلي وتابعهم في هذا عدد من الباحثين المعاصرين.

وقد قمت بتحقيق كتاب "نصيحة الملوك" منذ مدة بعيدة التاريخ معتمدًا في توثيق الكتاب على مؤلفات الماوردي، ثم تبين لي اختلاف الأحكام المدونة فيه عن الثابت في كتب الماوردي الموثوق نسبتها إليه، مما حدا بي إلى الشك في نسبة الكتاب إليه، وحفزني إلى البحث والتأمل العميق لجلاء الحقيقة من خلال الأفكار الواردة في كتاب "نصيحة الملوك" هل هي للماوردي حقًا، ومدى اتفاقها أو اختلافها مع ما ورد في كتبه السياسية الأخرى، ذلك أن التحقق من نسبة الكتب إلى مؤلفيها من أهم أعمال المحققين الباحثين لما تنطوي عليه من أبعاد فكرية وعقدية تعكس آثارها ونتائجها على شخصية مؤلفيها، والأمانة العلمية تقضي جمع الأدلة إثباتًا ونفيًا، ثم فحصها فحصًا موضوعًا دقيقًا حتى لا ينسب الكتاب لغير صاحبه فيهضم حقه، ولا يدعى عليه بغير فكره ومعتقده فيصنف في غير بني ملته ومذهبه، وفى ضوء هذه المبادئ.

اقتضى البحث أن تنتظم موضوعاته في فصلين:

الأول: عرض أدلة الرأي القائل بأن كتاب "نصيحة الملوك" للماوردي.

الثاني: الشك في نسبة "نصيحة الملوك" للماوردي، معتمدًا على مقارنة بين "نصيحة الملوك" وكتب الماوردي في أحكام السياسة الشرعية.

يتقدمهما فصل تمهيدي موجز عن معالم حياة الإمام الماوردي، وأهم مؤلفاته التي سيعتمد عليها في البحث والدراسة، ومنهجه في كتبه السياسية خاصة.

تنتهي الدراسة بخاتمة نعرض فيها أهم نتائج البحث.

وحري بالإشارة أن البحث استمر فترة زمنية اعتمد فيها الباحث على بعض المخطوطات والرسائل العلمية، ثم طبعت بعضها، وتبين للباحث اختلاف بين المخطوط والمطبوع، فآثر أن يشير إلى جانب المخطوط أو الرسالة، انظر المطبوع مع بيان الجزء والصفحة.

فصل تمهيدي

معالم حياة الماوردي، وآثاره الفقهية والسياسية، ومنهجه ينقسم هذا الفصل إلى المباحث التالية:

المبحث الأول: معالم حياة الماوردي.

المبحث الثاني: آثار الماوردي الفقهية والسياسية.

المبحث الثالث: منهج الماوردي في كتبه السياسية.

المبحث الأول: معالم حياة الماوردي

هو علي بن محمد الماوردي، يكنى أبا الحسن، واشتهر بالماوردي، والماوردي نسبة إلى صناعة ماء الورد وبيعه والذي اشتهرت به أسرته.


ولد الماوردي بالبصرة سنة 364 هـ.

تفقه على يد عالمها أبي القاسم الصيمري، المتوفى 386 هـ، ثم ارتحل بعد وفاته إلى بغداد - مركز العلم والمعرفة في عصره- ودرس على إمامها الكبير أبي حامد الأسفرايني المتوفى 406 هـ، وصار من أخص تلاميذه.

درس اللغة والأدب على الإمام أبي محمد اليافي، المتوفى 398 هـ، وكان من ألعم أهل زمانه بالنحو والأدب، فصيح اللسان، بليغ الكلام، حسن المحاضرة، وقد تأثر به الماوردي واستفاد منه كثيرًا.

الماوردي فقيه شافعي مجتهد، لم يثبت تحوله إلى مذهب آخر في أي مرحلة من مراحل حياته واشتغل بالتدريس والتصنيف في المذهب الشافعي، وتولى القضاء وتدرج فيه حتى وصل إلى منصب أقضى القضاة في سنة 429 هـ، وانتهت إليه زعامة الشافعية في عصره.

أسلوبه في التأليف يتميز بالوضوح، ينتقي ألفاظه ومعانيه ويؤلف بينهما في تطابق تام.

اشتهر بخلقه الرفيع وحسن المعاملة.

عمر طويلًا، فعاش ستًا وثمانين سنة، وتوفى سنة 450 هـ، ودفن ببغداد.

المبحث الثاني: كتب الماوردي الفقهية والسياسية

ألف الماوردي - يرحمه الله تعالى - مؤلفات عديدة في علوم مختلفة، واعتنى بالفقه عناية لائقة.

ومن كتبه الفقهية: الإقناع، والأحكام السلطانية، والحاوي، وقوانين الوزارة، تسهيل النظر وتعجيل الظفر، هذه الكتب نسبتها إليه ثابتة، كما صرحت بها مصادر التراجم وطبقات الشافعية.

تمثل هذا الكتاب آراء الماوردي واجتهاداته الفقهية، يحسن التعريف، في إيجاز:

الإقناع:

قدم الماوردي بتأليف كتاب "الإقناع" بناء على طلب الخليفة القادر بالله، المتوفى 422 هـ، حيث طلب من كبار علماء المذاهب الأربعة أن يؤلف كل منهم مختصرًا في مذهبه. فألف الماوردي "الإقناع" في أربعين ورقة مختصرًا فيه الفقه الشافعي مع بعض اجتهاداته الخاصة[10]، وقد أثنى عليه الخليفة القادر بقوله: "حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا"

"والإقناع" يشتمل على الأحكام الفقهية مجردة من الدليل، وكان موضع ثقة العلماء وتقديرهم.

حفظ الله لنا نسخة مخطوطة منه بمكتبة الأوقاف بحلب (ضمت لمكتبة الأسد حاليًا)، وقد تبين من دراستها ومقابلتها وجود سقط في بعض أجزاء منها.

الأحكام السلطانية:

ألف الماوردي كتاب "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" بناء على طلب خليفة عصره، وببدو أنه الخليفة القادر بالله، المتوفى422 هـ.

كانت هذه الأحكام- على حد تعبير الماوردي- "ممتزجة بالأحكام وكان يقطعهم عن تصفحها تشاغلهم بالسياسة والتدبير"، فأفرد لها الماوردي هذا الكتاب "متمثلًا أمر من لزمت طاعته".

الكتاب يتضمن أصول التنظيم السياسي والإداري والمالي والحربي والاجتماعي للدولة الإسلامية في عصر الماوردي، وقد اعتمد فيه الماوردي على الأدلة من الكتاب والسنة، وبين مذاهب الأئمة كأبي حنيفة ومالك، لم يتعرض للمذهب الحنبلي، لعله يرى أن الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- محدث أكثر منه فقيه، وربما كان هذا أحد الأسباب القوية التي دفعت بالفقيه الحنبلي أبي يعلى الفراء (المتوفى 458 هـ)، إلى كتابة "الأحكام السلطانية"، مبينًا رأى الإمام أحمد ليكون تحت بصر خليفة عصره كي يتسنى للإمام معرفة ماله منها فيستوفيه، وما عليه فيوفيه، وصولًا إلى العدل في القضاء والتنفيذ، وتحريًا للنصفة في أخذه وعطائه.

الحاوي:
الحاوي هو شرح مختصر المزني، قال الماوردي في مقدمته: "لَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى مُخْتَصَرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ، لِانْتِشَارِ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ عَنْ فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ، وَاسْتِطَالَةِ مُرَاجَعَتِهَا عَلَى الْعَالِمِ حَتَّى جَعَلُوا الْمُخْتَصَرَ أَصْلًا يُمْكِنُهُمْ تَقْرِيبُهُ عَلَى الْمُبْتَدِي، وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْمُنْتَهِي، وَجَبَ صَرْفُ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ وَإِيقَاعُ الِاهْتِمَامِ بِهِ.

وَلَمَّا صَارَ مُخْتَصَرُ الْمُزَنِيِّ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لَزِمَ اسْتِيعَابُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِهِ وَاسْتِيفَاءُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ الْمُغْلَقِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ مُقْتَضَى الشَّرْحِ الَّذِي يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى إِبَانَةِ الْمَشْرُوحِ لِيَصِحَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ.

وَقَدِ اعْتَمَدْتُ بِكِتَابِي هَذَا شَرْحَهُ عَلَى أَعْدَلِ شُرُوحِهِ وَتَرْجَمْتُهُ بِـ "الْحَاوِي" رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ حَاوِيًا لِمَا أُوجِبُهُ بِقَدْرِ الْحَالِ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيعَابِ فِي أَوْضَحِ تَقْدِيمٍ وَأَصَحِّ تَرْتِيبٍ وَأَسْهَلِ مَأْخَذٍ".

ويقع الكتاب على حد قول الماوردي في أربعة آلاف ورقة، وقد طبع أخيرًا في تسع عشرة مجلدة.

بسط الماوردي فيه الفقه الشافعي، عارضًا فيه فقه الصحابة والتابعين، وفقه أئمة المذاهب - عدا المذهب الحنبلي- مع بيان الأدلة والترجيح بينها.

ويتضمن كافة موضوعات الفقه الإسلامي بدءً بكتاب الطهارة، وانتهاء بكتاب العتق، قال عنه ابن خلكان: "لم يطالعه أحد إلا شهد له بالتبحر، والمعرفة التامة في المذهب".

قوانين الوزارة:

يتضمن القوانين التي تحكم الوزارة والوزراء، وكيف يساس بها الملك، وبين فيه طبيعة منصب الوزير، وأنه سائس للرعية، ومسوس بالحاكم الأعلى، يحدد المبادئ التي على الوزراء الالتزام بها: إعزاز الدين، تحقيق العدل في الرعية، تولية الأكفاء الأمناء، الهيبة والصدق في القول، والإخلاص في العمل.

عرض لأقسام الوزارة: وزارة التفويض، ووزارة التنفيذ، وبين الشروط والحقوق التي في كل منهما.

تناول موضوع تقليد الوزير وعزله، ويعد الماوردي هو من أوائل من كتب في مسألة العزل من الوزارة.

ويختم الماوردي كتابه بنصائح للوزير: تتمثل في مراعاة الوزير لحق الله عليه، وحق الحاكم الأعلى (رئيس الدولة) والشعب، وأن يسلك طريق الشورى، ويلبي حاجات الناس، وأن يكون متواضعًا رحيمًا، وان يتقي دعوة المظلوم بتحقيق العدل بين الناس.

تسهيل النظر وتعجيل الظفر:

يتضمن الكتاب موضوعين مهمين:

الأول: الكلام في أصول الأخلاق من الناحية النظرية، وبهذا يبدو الماوردي فيلسوفًا يحتل مكانة بن فلاسفة عصره كابن سينا وابن مسكويه.

والثاني: في سياسة الملك وقواعده، وهذا القسم يهمنا في الجانب السياسي.

حقق الكتاب محيي هلال السرحان، وقدم له وراجعه الدكتور حسن الساعاتي.

كما حققه - بعد ذلك- الدكتور رضوان السيد.

دور السلوك في سياسة الملوك:

مخطوط باستانبول بمكتبة أيا صوفيا برقم 2870، وقفت عليه عند زيارتي لتركيا منذ عدة أعوام، والكتاب قدمه الماوردي لبهاء الدولة ابن بويه، أبي النصر، أحمد بن عضد الدولة بن بويه، المتوفى 403 هـ.

قسمه إلى بابين:

الباب الأول: في أخلاق الملك

الباب الثاني: في سياسة الملك.

أشار إليه ابن خلكان، والسبكي، وطاش كبرى زاده، وحاجي خليفة، والصفدي بعنوان "سياسة الملك".

وأكاد أجزم أن هذا الكتاب هو الإبرازة الأولى لـ"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" مع إضافات كثيرة في تسهيل النظر، وتجريده من الإهداء بعد تقويم تجربة بهاء الدولة في الحكم بعد وفاته، ولعل هذا هو السبب في تغيير عنوانه.

المبحث الثالث: منهج الماوردي في كتبه السياسية

ترك لنا الماوردي من الكتب السياسية المتحقق نسبتها إليه:

"الأحكام السلطانية" و"قوانين الوزارة" و"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" ومن الظواهر في "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" أنه اعتمد لبيان الأحكام الفقهية على الكتاب والسنة وقد خلا من الاستشهاد بالشعر إلا نادرًا كما خلا من الحكم والأمثال.

يندرج هذا الكتاب في الكتب التي تمثل أصالة الفقه الإسلامي، وبعده عن التبعية الفارسية أو التأثر بالفلسفة اليونانية.

يعد كتاب "قوانين الوزارة" و"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" في القسم الثاني منه الخاص بسياسة الملك، من كتب "مرايا الحكام والأمراء" وتقوم على التوجيه والإرشاد ومن الطبيعي أن يكثر الاستشهاد في هذا اللون بالأشعار والأمثال والحكم.

أما القسم الأول من "تسهيل النظر وتعجيل الظفر" في أخلاق الملك، فقد اعتمد فيه على تقسيمات الفلسفة اليونانية للأخلاق مع محاولة التوفيق مع نصوص الكتاب والسنة.

للكاتب/المؤلف : فؤاد عبد المنعم أحمد .
دار النشر : مؤسسة شباب الجامعة .
عدد مرات التحميل : 19362 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأحد , 11 مايو 2008م.
حجم الكتاب عند التحميل : 1.6 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

صاحبت الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي رحمه الله مدة طويلة من حياتي وترجمت له بالاشتراك ترجمة مستفيضة، وحققت بعض كتبه، ويسر الله لي الوقوف على بعض كتبه التي لم تنشر بعد.

يعد الماوردي من الفقهاء الذين لهم إسهامات متميزة في الفكر السياسي الإسلامي، وترك تراثًا موثوقًا نسبته إليه:

"الأحكام السلطانية والولايات الدينية"، "قوانين الوزارة"، "تسهيل النظر وتعجيل الظفر"، "أدب الدنيا والدين".

لم يشر المترجمون القدامى إلى كتاب "نصيحة الملوك" في عداد مؤلفاته، وأول من أشار إليه فيما - أحاط به علمي - حاجي خليفة صاحب كشف الظنون ثم تبعه بروكلمان، فجورجي زيدان، ومصطفى السقا، والزركلي وتابعهم في هذا عدد من الباحثين المعاصرين.

وقد قمت بتحقيق كتاب "نصيحة الملوك" منذ مدة بعيدة التاريخ معتمدًا في توثيق الكتاب على مؤلفات الماوردي، ثم تبين لي اختلاف الأحكام المدونة فيه عن الثابت في كتب الماوردي الموثوق نسبتها إليه، مما حدا بي إلى الشك في نسبة الكتاب إليه، وحفزني إلى البحث والتأمل العميق لجلاء الحقيقة من خلال الأفكار الواردة في كتاب "نصيحة الملوك" هل هي للماوردي حقًا، ومدى اتفاقها أو اختلافها مع ما ورد في كتبه السياسية الأخرى، ذلك أن التحقق من نسبة الكتب إلى مؤلفيها من أهم أعمال المحققين الباحثين لما تنطوي عليه من أبعاد فكرية وعقدية تعكس آثارها ونتائجها على شخصية مؤلفيها، والأمانة العلمية تقضي جمع الأدلة إثباتًا ونفيًا، ثم فحصها فحصًا موضوعًا دقيقًا حتى لا ينسب الكتاب لغير صاحبه فيهضم حقه، ولا يدعى عليه بغير فكره ومعتقده فيصنف في غير بني ملته ومذهبه، وفى ضوء هذه المبادئ.

اقتضى البحث أن تنتظم موضوعاته في فصلين:

الأول: عرض أدلة الرأي القائل بأن كتاب "نصيحة الملوك" للماوردي.

الثاني: الشك في نسبة "نصيحة الملوك" للماوردي، معتمدًا على مقارنة بين "نصيحة الملوك" وكتب الماوردي في أحكام السياسة الشرعية.

يتقدمهما فصل تمهيدي موجز عن معالم حياة الإمام الماوردي، وأهم مؤلفاته التي سيعتمد عليها في البحث والدراسة، ومنهجه في كتبه السياسية خاصة.

تنتهي الدراسة بخاتمة نعرض فيها أهم نتائج البحث.

وحري بالإشارة أن البحث استمر فترة زمنية اعتمد فيها الباحث على بعض المخطوطات والرسائل العلمية، ثم طبعت بعضها، وتبين للباحث اختلاف بين المخطوط والمطبوع، فآثر أن يشير إلى جانب المخطوط أو الرسالة، انظر المطبوع مع بيان الجزء والصفحة.

فصل تمهيدي

معالم حياة الماوردي، وآثاره الفقهية والسياسية، ومنهجه ينقسم هذا الفصل إلى المباحث التالية:

المبحث الأول: معالم حياة الماوردي.

المبحث الثاني: آثار الماوردي الفقهية والسياسية.

المبحث الثالث: منهج الماوردي في كتبه السياسية.

المبحث الأول: معالم حياة الماوردي

هو علي بن محمد الماوردي، يكنى أبا الحسن، واشتهر بالماوردي، والماوردي نسبة إلى صناعة ماء الورد وبيعه والذي اشتهرت به أسرته.


ولد الماوردي بالبصرة سنة 364 هـ.

تفقه على يد عالمها أبي القاسم الصيمري، المتوفى 386 هـ، ثم ارتحل بعد وفاته إلى بغداد - مركز العلم والمعرفة في عصره- ودرس على إمامها الكبير أبي حامد الأسفرايني المتوفى 406 هـ، وصار من أخص تلاميذه.

درس اللغة والأدب على الإمام أبي محمد اليافي، المتوفى 398 هـ، وكان من ألعم أهل زمانه بالنحو والأدب، فصيح اللسان، بليغ الكلام، حسن المحاضرة، وقد تأثر به الماوردي واستفاد منه كثيرًا.

الماوردي فقيه شافعي مجتهد، لم يثبت تحوله إلى مذهب آخر في أي مرحلة من مراحل حياته واشتغل بالتدريس والتصنيف في المذهب الشافعي، وتولى القضاء وتدرج فيه حتى وصل إلى منصب أقضى القضاة في سنة 429 هـ، وانتهت إليه زعامة الشافعية في عصره.

أسلوبه في التأليف يتميز بالوضوح، ينتقي ألفاظه ومعانيه ويؤلف بينهما في تطابق تام.

اشتهر بخلقه الرفيع وحسن المعاملة.

عمر طويلًا، فعاش ستًا وثمانين سنة، وتوفى سنة 450 هـ، ودفن ببغداد.

المبحث الثاني: كتب الماوردي الفقهية والسياسية

ألف الماوردي - يرحمه الله تعالى - مؤلفات عديدة في علوم مختلفة، واعتنى بالفقه عناية لائقة.

ومن كتبه الفقهية: الإقناع، والأحكام السلطانية، والحاوي، وقوانين الوزارة، تسهيل النظر وتعجيل الظفر، هذه الكتب نسبتها إليه ثابتة، كما صرحت بها مصادر التراجم وطبقات الشافعية.

تمثل هذا الكتاب آراء الماوردي واجتهاداته الفقهية، يحسن التعريف، في إيجاز:

الإقناع:

قدم الماوردي بتأليف كتاب "الإقناع" بناء على طلب الخليفة القادر بالله، المتوفى 422 هـ، حيث طلب من كبار علماء المذاهب الأربعة أن يؤلف كل منهم مختصرًا في مذهبه. فألف الماوردي "الإقناع" في أربعين ورقة مختصرًا فيه الفقه الشافعي مع بعض اجتهاداته الخاصة[10]، وقد أثنى عليه الخليفة القادر بقوله: "حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا"

"والإقناع" يشتمل على الأحكام الفقهية مجردة من الدليل، وكان موضع ثقة العلماء وتقديرهم.

حفظ الله لنا نسخة مخطوطة منه بمكتبة الأوقاف بحلب (ضمت لمكتبة الأسد حاليًا)، وقد تبين من دراستها ومقابلتها وجود سقط في بعض أجزاء منها.

الأحكام السلطانية:

ألف الماوردي كتاب "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" بناء على طلب خليفة عصره، وببدو أنه الخليفة القادر بالله، المتوفى422 هـ.

كانت هذه الأحكام- على حد تعبير الماوردي- "ممتزجة بالأحكام وكان يقطعهم عن تصفحها تشاغلهم بالسياسة والتدبير"، فأفرد لها الماوردي هذا الكتاب "متمثلًا أمر من لزمت طاعته".

الكتاب يتضمن أصول التنظيم السياسي والإداري والمالي والحربي والاجتماعي للدولة الإسلامية في عصر الماوردي، وقد اعتمد فيه الماوردي على الأدلة من الكتاب والسنة، وبين مذاهب الأئمة كأبي حنيفة ومالك، لم يتعرض للمذهب الحنبلي، لعله يرى أن الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- محدث أكثر منه فقيه، وربما كان هذا أحد الأسباب القوية التي دفعت بالفقيه الحنبلي أبي يعلى الفراء (المتوفى 458 هـ)، إلى كتابة "الأحكام السلطانية"، مبينًا رأى الإمام أحمد ليكون تحت بصر خليفة عصره كي يتسنى للإمام معرفة ماله منها فيستوفيه، وما عليه فيوفيه، وصولًا إلى العدل في القضاء والتنفيذ، وتحريًا للنصفة في أخذه وعطائه.

الحاوي:
الحاوي هو شرح مختصر المزني، قال الماوردي في مقدمته: "لَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى مُخْتَصَرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ، لِانْتِشَارِ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ عَنْ فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ، وَاسْتِطَالَةِ مُرَاجَعَتِهَا عَلَى الْعَالِمِ حَتَّى جَعَلُوا الْمُخْتَصَرَ أَصْلًا يُمْكِنُهُمْ تَقْرِيبُهُ عَلَى الْمُبْتَدِي، وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْمُنْتَهِي، وَجَبَ صَرْفُ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ وَإِيقَاعُ الِاهْتِمَامِ بِهِ.

وَلَمَّا صَارَ مُخْتَصَرُ الْمُزَنِيِّ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لَزِمَ اسْتِيعَابُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِهِ وَاسْتِيفَاءُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ الْمُغْلَقِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ مُقْتَضَى الشَّرْحِ الَّذِي يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى إِبَانَةِ الْمَشْرُوحِ لِيَصِحَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ.

وَقَدِ اعْتَمَدْتُ بِكِتَابِي هَذَا شَرْحَهُ عَلَى أَعْدَلِ شُرُوحِهِ وَتَرْجَمْتُهُ بِـ "الْحَاوِي" رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ حَاوِيًا لِمَا أُوجِبُهُ بِقَدْرِ الْحَالِ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيعَابِ فِي أَوْضَحِ تَقْدِيمٍ وَأَصَحِّ تَرْتِيبٍ وَأَسْهَلِ مَأْخَذٍ".

ويقع الكتاب على حد قول الماوردي في أربعة آلاف ورقة، وقد طبع أخيرًا في تسع عشرة مجلدة.

بسط الماوردي فيه الفقه الشافعي، عارضًا فيه فقه الصحابة والتابعين، وفقه أئمة المذاهب - عدا المذهب الحنبلي- مع بيان الأدلة والترجيح بينها.

ويتضمن كافة موضوعات الفقه الإسلامي بدءً بكتاب الطهارة، وانتهاء بكتاب العتق، قال عنه ابن خلكان: "لم يطالعه أحد إلا شهد له بالتبحر، والمعرفة التامة في المذهب".

قوانين الوزارة:

يتضمن القوانين التي تحكم الوزارة والوزراء، وكيف يساس بها الملك، وبين فيه طبيعة منصب الوزير، وأنه سائس للرعية، ومسوس بالحاكم الأعلى، يحدد المبادئ التي على الوزراء الالتزام بها: إعزاز الدين، تحقيق العدل في الرعية، تولية الأكفاء الأمناء، الهيبة والصدق في القول، والإخلاص في العمل.

عرض لأقسام الوزارة: وزارة التفويض، ووزارة التنفيذ، وبين الشروط والحقوق التي في كل منهما.

تناول موضوع تقليد الوزير وعزله، ويعد الماوردي هو من أوائل من كتب في مسألة العزل من الوزارة.

ويختم الماوردي كتابه بنصائح للوزير: تتمثل في مراعاة الوزير لحق الله عليه، وحق الحاكم الأعلى (رئيس الدولة) والشعب، وأن يسلك طريق الشورى، ويلبي حاجات الناس، وأن يكون متواضعًا رحيمًا، وان يتقي دعوة المظلوم بتحقيق العدل بين الناس.

تسهيل النظر وتعجيل الظفر:

يتضمن الكتاب موضوعين مهمين:

الأول: الكلام في أصول الأخلاق من الناحية النظرية، وبهذا يبدو الماوردي فيلسوفًا يحتل مكانة بن فلاسفة عصره كابن سينا وابن مسكويه.

والثاني: في سياسة الملك وقواعده، وهذا القسم يهمنا في الجانب السياسي.

حقق الكتاب محيي هلال السرحان، وقدم له وراجعه الدكتور حسن الساعاتي.

كما حققه - بعد ذلك- الدكتور رضوان السيد.

دور السلوك في سياسة الملوك:

مخطوط باستانبول بمكتبة أيا صوفيا برقم 2870، وقفت عليه عند زيارتي لتركيا منذ عدة أعوام، والكتاب قدمه الماوردي لبهاء الدولة ابن بويه، أبي النصر، أحمد بن عضد الدولة بن بويه، المتوفى 403 هـ.

قسمه إلى بابين:

الباب الأول: في أخلاق الملك

الباب الثاني: في سياسة الملك.

أشار إليه ابن خلكان، والسبكي، وطاش كبرى زاده، وحاجي خليفة، والصفدي بعنوان "سياسة الملك".

وأكاد أجزم أن هذا الكتاب هو الإبرازة الأولى لـ"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" مع إضافات كثيرة في تسهيل النظر، وتجريده من الإهداء بعد تقويم تجربة بهاء الدولة في الحكم بعد وفاته، ولعل هذا هو السبب في تغيير عنوانه.

المبحث الثالث: منهج الماوردي في كتبه السياسية

ترك لنا الماوردي من الكتب السياسية المتحقق نسبتها إليه:

"الأحكام السلطانية" و"قوانين الوزارة" و"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" ومن الظواهر في "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" أنه اعتمد لبيان الأحكام الفقهية على الكتاب والسنة وقد خلا من الاستشهاد بالشعر إلا نادرًا كما خلا من الحكم والأمثال.

يندرج هذا الكتاب في الكتب التي تمثل أصالة الفقه الإسلامي، وبعده عن التبعية الفارسية أو التأثر بالفلسفة اليونانية.

يعد كتاب "قوانين الوزارة" و"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" في القسم الثاني منه الخاص بسياسة الملك، من كتب "مرايا الحكام والأمراء" وتقوم على التوجيه والإرشاد ومن الطبيعي أن يكثر الاستشهاد في هذا اللون بالأشعار والأمثال والحكم.

أما القسم الأول من "تسهيل النظر وتعجيل الظفر" في أخلاق الملك، فقد اعتمد فيه على تقسيمات الفلسفة اليونانية للأخلاق مع محاولة التوفيق مع نصوص الكتاب والسنة.
 

أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوك من السياسة الشرعية ويقع كتاب أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوك في مركز اهتمام الباحثين والدارسين المنشغلين بدراسة التخصصات الفقهية؛ حيث يقع كتاب أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوك ضمن نطاق تخصص علوم أصول الفقه والتخصصات وثيقة الصلة من فلسفة إسلامية وعقيدة وعلوم قرآنية وغيرها من فروع التخصصات الإسلامية.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوك
فؤاد عبد المنعم أحمد
فؤاد عبد المنعم أحمد
Fouad Abdel Moneim Ahmed
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أبو الحسن الماوردي وكتاب نصيحة الملوك ❝ ❞ البصمة الوراثية في الإثبات الجنائي بين الشريعة والقانون ❝ ❞ ابن خلدون ورسالته للقضاة مزيل الملام عن حكام الأنام ❝ ❞ الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة (فؤاد عبد المنعم) ❝ ❞ الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة ❝ ❞ أبو الحسن الماوردي و نصيحة الملوك ❝ الناشرين : ❞ مؤسسة شباب الجامعة ❝ ❞ دار الوطن ❝ ❞ المكتبة المصرية ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب السياسة الشرعية

تحقيق كتاب الأموال (دكتوراه) PDF

قراءة و تحميل كتاب تحقيق كتاب الأموال (دكتوراه) PDF مجانا

الأحكام السلطانية (ت. الفقي) PDF

قراءة و تحميل كتاب الأحكام السلطانية (ت. الفقي) PDF مجانا

ابن خلدون ورسالته للقضاة مزيل الملام عن حكام الأنام PDF

قراءة و تحميل كتاب ابن خلدون ورسالته للقضاة مزيل الملام عن حكام الأنام PDF مجانا

السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ط. المجمع) PDF

قراءة و تحميل كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ط. المجمع) PDF مجانا

القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية PDF

قراءة و تحميل كتاب القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية PDF مجانا

إعداد الجندي المسلم - أهدافه وأسسه (ماجستير) PDF

قراءة و تحميل كتاب إعداد الجندي المسلم - أهدافه وأسسه (ماجستير) PDF مجانا

مسألة في الكنائس ومعه ترجمة شيخ الإسلام ومعه قائمة ببعض مخطوطات شيخ الإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب مسألة في الكنائس ومعه ترجمة شيخ الإسلام ومعه قائمة ببعض مخطوطات شيخ الإسلام PDF مجانا

المزيد من فكر وثقافة في مكتبة فكر وثقافة , المزيد من كتب متنوعة في مكتبة كتب متنوعة , المزيد من كتب الأدب في مكتبة كتب الأدب , المزيد من كتب الجغرافيا والرحلات في مكتبة كتب الجغرافيا والرحلات , المزيد من كتب الأدب في مكتبة كتب الأدب , المزيد من كتب السير و المذكرات في مكتبة كتب السير و المذكرات , المزيد من كتب السياسة الشرعية في مكتبة كتب السياسة الشرعية , المزيد من كتب الأنساب في مكتبة كتب الأنساب , المزيد من كتب الادب والتراث في مكتبة كتب الادب والتراث
عرض كل الكتب والموسوعات العامة ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..